مسائل في القضاء والقدر
بسم الله الرحمن الرحيم
((مسائل في القضاء والقدر))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه:
أما بعد:
- كل شيء بقضاء وقدر:
اعلم أخي المسلم أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان الستة التي يجب الإيمان بها جميعا وإلا لم يكن مؤمنا حقا.فالإيمان بالقضاء والقدر واجب وهو أنَّ الله تعالى قد قدر مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة.كما قال الله تعالى -:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ(22)لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}[الحديد: 23،22]
واعلم أن الله تعالى قد علم ما يكون في هذا العالم من أرزاق العباد وآجالهم من الطاعات والمعاصي وما سوف يحدث فيه ثم كتب ذلك على حسب ما علمه الله سبحانه من ذلك ، كماقال تعالى -:{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۗ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحج:70].
وقال تعالى-:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[التغابن:11].وقال تعالى-:{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ}[القمر:49].وجاء من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم :"إن الله كتب مقادير الخلق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء".رواه مسلم.و جاء عنه صلى الله عليه وسلم قال :"إن أول ما خلق الله القلم قال له أكتب قال: يا رب ما أكتب؟ قال أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة".و قد اختلف الناس في هذه المسألة فضلت طوائف من أهل البدع والأهواء ومنهم القدرية والجبرية وهتان الفرقتان هما أشهر من تكلم في القدر .
- أشهر الفرق التي انحرفت عن القدر:
فالجبرية قالت أنَّ العبد مجبور على فعل المعصية و الطاعة وأن حركة العبد كحركة المرتعش أو كحركة الريشة في مهب الريح ويلزم من ذلك أن الله سبحانه ظالم لعبادته وأن أفعاله سبحانه مبنية على الاضطراب والعبث تعالى الله عما يقولون وبهذا القول قد كفر أهل السنة الجبرية وقد أنشأ اعتقاد الجبرية الجعد بن درهم ثم أخذ هذه العقيد الجهم بن صفوان وقد قتلا على هذه العقيدة الكفرية الضالة بفتوى من العلماء وممن تبنى مذهب الجبرية الصوفية الغلاة والأشاعرة .لكن الأشاعرة جبرية في الباطن دون الظاهر فالأشاعرة يقلون أن العبد مجبور في الباطن وفي الظاهر مختار ومن تم قالوا بالكسب وهو أن العبد لا يفعل مثل ما يقطع السكين فالله عز وجل هو الفاعل والعبد مثل السكين يقطع وهو قول ضال منحرف.والرد عليهم من طريق النقل نقول: أن الله سبحانه قد أثبت أن العباد يفعلون باختيارهم ،كما قال الله تعالى-:{ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]. وقال تعالى-:{ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[النحل:32].أما عن طريق العقل: هذا نستحيل لن يلزم من ذلك الظلم وأن اللع سبحانه وتعالى يظلم خلقه بذنوب أو أفعالا لا يعملونها فهذا مستحيل في حق الله سبحانه الخالق الرحمن الرحيم الحكيم العليم اللطيف الخبير.وأيضًا: يلزم من لذك أن أفعال الله عز وجل مضطربة وفيها خلل وتناقض وعبث وهذا لا يجوز أن يوصف الله سبحانه وتعالى به بل الله عز وجل الحكيم العليم الذي لا يخلق شيئًا إلا لحكمة ولا يفعل فعلا إلا لحكمة ولا يشرع شريعة إلا لحكمة ولا يقضي قضاء إلا فيه حكمة ورحمة ومصلحة وعدل. والله المستعان وبالله التوفيق.
- القدرية على نوعين:
و أما القدرية: فهي على نوعين:
- النوع الأول:القدرية النفاة.
- النوع الثاني:القدرية المعتزلة.
أما القدرية النفاة: فهي التي تنفي علم الله سبحانه السابق الموصوف به أزلا وأبدا.فتنفي عن الله تعالى علم فتقول أن الله لا يعلم الأشياء إلا بعد حدوثها.وهذا القول كفر ينقل عن الملة.وقد كفر أهل السنة القدرية النفاة أو الغلاة وصاحوا بهم من كل جانب وجاء عن الإمام الشافعي رحمة الله عليه قال :"ناظروا القدرية بالعلم فإن أقروا به خصموا وإن جحدوه كفروا".وقد قال الله تعالى-:{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:14].ومن علمه سبحانه أن يعلم ما كان ما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.وإنكار هذا النوع من العلم وصف الله سبحانه و تعالى بالجهل وبأن الله تعالى الخالق العظيم سبحانه لا يعلم ما خلقه ويجهل خلقه وهذا تنقص عظيم لله الخالق العظيم تعالى الله عما يقول الظالمون و الجاحدون علوا كبيرا.وسبق ذكر آية التي في سورة الملك.أما القدرية المعتزلة: فهي تقول أن العبد هو الذي يخلق فعل نفسه وأخرجوا إرادة الله ومشيئته من فعل العبد وإرادته ومشيئته فقالوا: أن العباد يفعلون الأفعال بإرادتهم ، والرد عليهم نقول أن الله تعالى قال -:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ(28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[التكوير: 29،28].فأثبت مشيئة للعبد وهي تحت مشيئة الله تعالى.و قال الله تعالى -:{إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ ۖ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا(30)وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}[الإنسان:31،30]. وقال تعالى-:{ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [الحج: 14].وقال تعالى -:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ۗ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة:1].وما شاء الله كان ما لم يشأ لم يكن ولا يكون في ملكه ما لا يريد .وهذه المرتبة الثالثة من مراتب القدر وتأتي.
مراتب القدر أربعة وهي :
المرتبة الأولى:العلم وهو أن الله سبحانه قد علم ما يكون في هذا العلم من حوادث بعلمه السابق الأزلي.المرتبة الثانية: الكتابة وهي أن الله قد كتب على حسب ما علمه من أفعال عباده من الرزاق والآجال.المرتبة الثالثة: المشيئة فما شاء الله كان وما لم يشا لم يكن ولا يكون في ملكه ما لا يريد وأنه لا حركة ولا سكون إلا قد شاءها الله وتعالى وعلمها وكتبها.المرتبة الرابعة: الخلق أنه ما من مخلوق إلا والله خالقه لا خالق غيره ولا رب سواه. قال الله تعالى-:{ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ}[الزمر:62].وقال تعالى -:{ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}.[الفرقان:2]. وهذه المراتب الأربع يجب الإيمان بها كلها وإلا لم يكن مؤمنا بالقضاء والقدر.
- أنواع الكتابة:
النوع الأول : الكتابة العامة.وهي كاتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ فقد كتب مقادير الخلائق من الرزاق والآجال والطاعات والمعاصي. كما مر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إنَّ أول ما خلق الله القلم فقال له أكتب: قال يا رب ما اكتب قال: أكتب ما هو كائن إلى ويم القيامة".النوع الثاني: الكتابة العمرية .وهي ما جاءت في حديث الصادق المصدوق عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"إنَّ أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي او سعيد... " الحديث متفق عليه.النوع الثالث: الكتابة الحولية .وهي التي يقدرها الله في السنة وهي ما يقدره الله عز وجل في ليلة القدر كما قال الله تعالى -:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ(3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ(4)أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان:5،4،3].وجاء عن مجاهد أنه قال في ليلة القدر يكتب فيها:" يموت فلان ويمرض فلان يحج فلان يتزوج فلان".النوع الرابع:الكتابة اليومية:كما قال الله تعالى -:{يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ}[الرحمن:29].وجاء عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من شأنه أن يرفع اقوام ويضع آخرين ويعز أقوام ويذل آخرين".صححه الألباني.
- اعتقاد أهل السنة والجماعة في القدر:
- وأما أهل السنة والجماعة في القضاء والقدر فهم يعتقدون أنَّ العبد يفعل الطاعة والمعصية باختياره وإرادته وأن ذلك بعد إرادة الله ومشيئته فالعباد فاعلون حقيقة والله سبحانه خالق أفعالهم وإرادتهم وأنهم فعلوا ذلك الطاعة والمعصية بالقدرة والإرادة التي أعطاهم الله تعالى إياها وهم أيضًا يعتقدون ما مر من بيان مسائل القدر من أنواع الكتاب ومراتب القدر وما جاء في الكتاب والسنة من مسائل القدر ولا يخضون بمقتضى الهوى ولا العقل بل بالوحيين- القرآن و الحديث - ويعتقدون الإمساك في الكلام في القدر أصلهم في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم :"إذا ذكر القدر فامسكوا" فلا يخوضون بلا علم ولا وحي من الكتاب والسنة.وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. وانظر أيضًا : هذا الموضوع لعله يفيدك أسباب زيادة الإيمان وانظر أيضًا:القدرية والجبرية ووسطية أهل السنة بينهما في مسائل القدر الشيخ صالح آل الشيخ .
والحمد لله رب العالمين