لماذا نصوم رمضان؟

لماذا نصوم رمضان؟

0 المراجعات

فرض الله عز وجل صوم شهر رمضان على كل مسلم بالغ وعاقل ومقيم وصحيح، وزاد على المرأة أن تكون خالية من الحيض والنفاس. وكلما جاء شهر الصوم، يزداد الحديث عن فوائده وحكمه وأسراره، ويتحلق الكثيرون في التفكير في معاني وأسرار الآيات الكريمة التي تتحدث عن الصوم وعن الأحاديث التي تناولته. ولكن لا يخلو الحديث من ملاحظة مهمة يجب التنبيه عليها وتجنبها، وهي تعليل العبادة أو الأحكام بعلة لم تشرع لها بالأساس أو ربما تكون حكمة فرعية ليست المقصودة بالأمر الشرعي.

 

فترى شيخًا أو داعيةًا أو عالمًا يجيب عن السؤال: لماذا نصوم رمضان؟ فيجيب: كي نشعر بالفقراء ونحس بآلام الجوعى، ويقول آخر أننا نصوم لكي يرتاح الجسد ويحصل على قسط من الراحة، وأن الصوم مفيد جداً للجسد ومحفز على العمل. وهكذا يحدثونك بأسباب وعوامل التي يذكرها البعض رغم صدق نواياهم وحسن مقصدهم.

 

إن هذه الأسباب والعوامل لم يطلبها الشرع صراحة من المسلمين في الصيام، وإنما هي حكم وأسرار نتجت بناء على تأملات لبعض الدعاة والمشايخ قديمًا وحديثًا، وهي تعليلات تجرنا في النقاش إلى تعليل الحكم الشرعي بما لم يرد به. فالله عز وجل افترض علينا الصلاة والصيام والحج والزكاة


عند تفسير الأحكام الشرعية، يجب عدم تعليلها بأسباب غير مذكورة في النص الشرعي، حيث أن ذلك يؤدي إلى الوقوع في التعارض والتناقض في التشريع الإسلامي. على سبيل المثال، عند قولنا أننا نصوم لأن الصوم يجعلنا نشعر بالفقراء، فهذا ليس تعليلاً ينص عليه الشرع، وبالتالي يجب عدم التشدق به. كما أن تعليل الصلاة بأنها تعزز صحة الجسم وتقوي عضلاته، ليس تعليلاً ينص عليه الشرع، وبالتالي لا يمكن إعفاء أي شخص من أداء الصلاة. وعند تعليل الزنا بأنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فهذا ليس سبباً ينص عليه الشرع، ولا يمكن إسقاط الحرمة على الأشخاص العاقرين أو المنويين لمنع الحمل، أو حتى إذا اقتصر الزنا على شخص واحد فقط. في النهاية، يجب الالتزام بتعاليم الشرع وعدم الخروج عنها بتفسيرات غير مذكورة فيه.


وكذذلك شأن كل المحرمات، وعلى رأس ذلك: الفطر في رمضان، فإن العلة من الصوم، هي: أن نمتثل لأمر الله تعالى، ونتعلم متى نفعل ومتى لا نفعل، وذلك وفقا لما أمر الله ونهى، وليس وفقا لأهواء الناس، وإلا فإن الصوم ليس إمساكا عن الحرام، بل هو الإمساك عن الحلال، فما نصوم عنه في نهار رمضان، هو مباح في ليله، ومبارح في غير رمضان، مثل: الأكل والشرب وجماع الزوجة. 

فالإمساك عن الحرام، هو اختبار مطلوب منك في رمضان وغير رمضان، فالغيبة والنميمة، والكذب، وشهادة الزور، كلها محرمات في غير رمضان، لكن رمضان مطلوب فيه اختبار آخر ـ إضافة للامتناع عن الحرام في غيره ـ أن تمتنع عن بعض ما أحله الله، وحرمه عليك في نهار رمضان، والمقصود من ذلك: كمال امتثال العبد لأمر الله سبحانه وتعالى، علم له علة أو حكمة أم لم يعلم، ومقصود بذلك أن يعلم العبد: أن الذي يحل ويحرم هو الله عز وجل، وأن مطلق التشريع حق له وحده، فينبغي أن يكون ممتثلا لأمره ونهيه.

ليس هناك مانع من ذكر حكم وأسرار للعبادة وأوامر الله ونواهيه، لكن على ألا تكون هي الأصل، إلا إذا ذكر النص الحكمة، كما في الصوم، حيث قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) البقرة: 183، فالتقوى نص عليها النص، ولذا فهي حكمة واضحة، والتقوى بمعناها العام والكبير، والذي يبدأ بتنفيذ أمر الله.

هذا التنويه المهم الذي دار حوله مقالنا، قصدنا منه، ألا نترك مساحة للتشكيك في الدين، أو تشريعه، عن طريق تعليل أو بيان حكم للعبادة أو الأحكام، لأنها تصدر عن عقل مفكر، أو عالم، وهو بشر في النهاية، يصيب ويخطئ، فلا ينبغي أن نضع التشريع عرضة لأفكار أو حكم استنطبها العقل الإسلامي، فهو ليس حجة على التشريع، بل التشريع الإسلامي حجة عليه، والخلط بين المساحتين يفتح بابا للتشكيك في التشريع، وبابا لاتهامه بالنقص، أو التناقض، وحاشاه تشريع ربنا أن يعتوره نقص أو تناقض، بل إن شريعتنا كاملة تامة، كما قال تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة: 3.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

11

متابعين

5

متابعهم

5

مقالات مشابة