"القرأنيون " من هم ؟ ولماذا ينكرون السنة النبوية ؟ وكيف وصفهم النبي ؟
بقلم محمد ابوالسعود
فى بداية القرن العشرين، ومع بعض حركات الإصلاح فى التعليم الأزهري الغالب على البلاد، ظهرت فرقة من المسلمين رأت أن القرآن هو المصدر الوحيد للإيمان والتشريع، و أن رسالة الله في القرآن واضحة وكاملة كما هي، ولم يكن ظهور تلك الطائفة وليد اللحظة فقد بدأت أفكارهم عمليا فى العصر العباسي حين أسس الشاعر والمتكلم والفقيه ' إبراهيم النظام " مدرسة فكرية رفضت سلطة الأحاديث واعتمدت على القرآن وحده، ومع التقدم العلمي الهائل الذي نعيشه الآن بدأ بعض الناس منهم يخرج علينا من خلال وسائل الإعلام المختلفة، بآراء غريبة مستهجنة وانتشرت كتبهم ونظرياتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فمن هم ؟ فماهى آرائهم ؟ ولماذا ينكرون السنة برمتها وهل هم مسلمون أم خرجوا عن ملة الإسلام ؟
متى بدأ ظهورهم فى العالم
يقول " غلام أحمد برويز " وهو عالم باكستاني وأحد مؤسسي هذا المذهب وكان سببا في تحوله فكر القرآنيين :
«ذات يوم كنت أطالع التفسير فمررت بقوله تعالى - : ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها﴾ ا وقد ذكر القرآن تفصيل هذا الإيذاء من عناد بني إسرائيل لموسى وطلبهم ما لا يحتاجون إليه، غير أني وجدت في تفسير هذه الآية حديث أبي هريرة الذي رواه البخاري والترمذي من اتهام بني إسرائيل موسى بالبرص، وفرار الحجر بثيابه، ضرب موسى الحجر بعصاه، فارتعدت فرائصي، واستغرقني التفكير، وتوالت عليَّ الشبهات واحدة تلو الأخرى» ثم بدأ يدعو لأفكاره من خلال مجلة طلوع الإسلام التي أسسها لهذا الغرض.
ومن هنا جاءت الفكرة في العصر الحديث حيث أطلقوا على أنفسهم هذا الاسم من تفسير القرآن بالرأي المحض وإنكار شامل للسنة النبوية وقد بدأت هذه الحركة في الهند ثم في باكستان الذي كان يشتغل اغلب علمائهم بدراسة الحديث، من ثم اصطدموا بالعديد من الشبهات حوله، فتوصل البعض منهم في النهاية لإنكار كافة الأحاديث، وأن القرآن هو ما أنزله الله على الرسول محمد، وأن القرآن هو المصدر الوحيد لأحكام الشريعة ، والغريب أن أغلب المسلمين في الهند وباكستان يؤمنون بهذا المذهب
متى بدأ هذا الفكر في مصر ؟
فى أوائل القرن العشرين بدأت تنهض حركات التحرر فى مصر وكان المقصد منه تحررا سياسيا من الاحتلال الإنجليزي، إلا أنه سرعان ما تحول إلى تحرر ثقافي شمل جميع نواحي الحياة من العادات والتقاليد، والتعليم متهمين التعليم الأزهرى فى ذلك الوقت بالجمود والتخلف.
بدأت جذور القرآنيين فى مصر منذ حركة الشيخ محمد عبده الإصلاحية 1905 "والذي رفض الحديث والتصوف وانتقد البخاري وأنكر الشفاعة، ولكن تلميذه محمد رشيد رضا خالف مبادئه وتعاون مع السلفية وهو أستاذ لحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين" وقد ظللت بعض بقايا مدرسة الشيخ محمد عبده باقية وآخر من كان فيها الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر الأسبق الذي توفي في ستينات القرن الماضي ورغم هذه الدعوات كانت تهدف بالأساس إلى تجديد الخطاب الديني وتنقيح التراث إلا أنها ولم تكن بتلك المغالاة التى عليها الآن، حيث تحولت في عصرنا إلى حرب ضد شرائع الدين الأساسية، وإنكار لكل قول أو فعل للنبي سواء كان بسند صحيح أم بدون سند، بل وتبجح البعض فى إظهار سنة النبى بالكتاب الباطل الذي لا نفع فيه ، وهذا عرض بعض من نظرياتهم وآرائهم الغريبة التي ينادون به
أهم آرائهم
- إنكار سنة النبي قولا وفعلا
إنكار أحاديث الصحيحين البخارى ومسلم بل واتهام البخاري بالمؤسسة اليهودية
- إنكار معراج الرسول الكريم
- إنكار مواقيت الصلاة والقول بأنها ثلاثة صلوات فقط وليس خمسا
- القول بعدم انتفاع الميت بالدعاء له في القبر
- إنكار عذاب القبر
- نظرية الخلود فى النار وأنه لا خروج لأحد من النار حتى لو كان مسلما عاصيا
- إنكار حكم الردة فى الإسلام
- إنكار الناسخ والمنسوخ فى القرآن
رموزهم
يعتبر الدكتور أحمد صبحي منصور هو أحد المؤسسين المعاصرين لتلك الطائفة فى مصر,وقد تم فصله من جامعة الأزهر فى عام 1985 وذلك حينما تقدم إلى اللجنة المسئولة عن ترقيته إلى أستاذ مساعد بخمسة كتب، كان الكتاب الأهم والذي أحدث ضجة كبيرة وقتها هو كتاب (الأنبياء في القرآن الكريم.. دراسة تحليلية)، والذي قال فيه إنه لا شفاعة للنبي محمد، ولا عصمة له خارج الوحي، وأنه لا يصح أن يقال عنه أشرف المرسلين أو تفضيله على من سبقه من الأنبياء لأن مرجعية هذا لله جل وعلا وحده، كما تعرض لنقد البخاري، وقد ظهر فى الآونة الأخيرة بعض الدعاة من أمثال الدكتور محمد هداية و الدكتور جمال صدقى واسلام البحيري وغيرهم ممن يعتنقون هذا الفكر مع اختلاف مرجعياتهم العملية.
حكمهم في الدين
إن القرآن أوجب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يقرب من مائة آية ، واعتبر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم من طاعة الله عز وجل ، وتوعد مخالفي الرسول بالعذاب الشديد ، فقال تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً ) وقال عز وجل : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً )
فالسنة النبوية : كل ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، ونحن مأمورون بالعمل بها واتباعها على أنها شرط في الإيمان وقبول العمل لقوله تعالى { مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}
والسنة هى المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، حيث جاءت مبينة للقرآن وشارحة له ومفصلة لمجمله ومبينة المقيد والمطلق والخاص والعام، فعليه من أراد العمل بالقرآن (كما يقول القرآنيون) فلا يستطيع الاستغناء عن السنة؛ لقوله تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}
ماذا قال عنهم النبي
يعتبر هذا الرأى وتلك للطائفة امتداد لمنهج الخوارج الذى ظهر بعد فتنة موقعة الجمل، وكانوا في ذلك مختلفو المقاصد فمنهم من كان يعتقد أن النبوة لعلي وأن جبريل أخطأ بالنزول على النبي صلى الله عليه وسلم، وقد توقع النبي ظهورهم وتحدث عنهم فقال صلى الله عَلَيْهِ وذلك حين شرع بعض الاوامر للمسلمين يوم خيبر فقال : ( يُوشك أَن يقْعد الرجل على أريكته يحدث بحديثي فَيَقُول بيني وَبَيْنكُم كتاب الله فَمَا وجدنَا فِيهِ حَلَالا استحللناه ، وَمَا وجدنَا فِيهِ حَرَامًا حرمناه ، أَلا وَإِن مَا حرَّم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل مَا حرَّم الله ) ، وَهَذَا خبر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَمَّا يكون بعده من رد المبتدعة ، فَوجدَ تَصْدِيقه فِيمَا بعده "
رأى مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء المصرية فيهم
في مقابل ذلك أعلنت المؤسسات الدينية الرسمية في مصر موقفها من أفكار “القرآنيين”، فقد أصدرت لجنة السنة بمجمع البحوث الإسلامية، وهو أحد هيئات الأزهر، فتوى في شهر أغسطس من عام 2007 تنص على اعتبار “القرآنيين” جماعة مرتدة عن الإسلام إن أصروا على موقفهم الرافض للعمل بالسنة، واستندت اللجنة في فتواها باعتبار أن هؤلاء أنكروا معلومًا من الدين.
كما أكدت فتوى لجنة السنة بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، أن من ينكر السنة ليس مسلمًا، باعتبارها المصدر الثاني من مصادر التشريع في الإسلام بعد كتاب الله الكريم.
وقالت دار الإفتاء المصرية، إن الدعوة إلى الاكتفاء بالقرآن الكريم والاستغناء به عن السنة المطهرة هي دعوة باطلة، كما رأت أن العمل بها يؤدي يقينًا إلى هدم الشريعة بل وإلى هدم الدين.
وأضافت أن الذي يدعو إلى الاكتفاء بالقرآن يدعو لإزاحة السنة، وبعد ذلك يبدأ في إزاحة القرآن.