فضل قيام الليل فى القرآن الكريم

فضل قيام الليل فى القرآن الكريم

1 المراجعات

 

قيام الليل: عبادة الخواص ومفتاح القرب من الله
مقدمة
في هدوء الليل وسكونه، حين تنام العيون وتخفت الأصوات، يفتح الله سبحانه وتعالى أبواب رحمته لعباده الصالحين، ويدعوهم إلى مناجاته وطلب مغفرته وعفوه. إنها عبادة قيام الليل، التي اصطفى الله بها عباده المقربين، وجعلها شرفًا لهم وزادًا على الطريق، ودليلاً على صدق محبتهم له وعمق إيمانهم به. فقيام الليل ليس مجرد نافلة من النوافل، بل هو سرٌّ من أسرار العبودية، وعلامة من علامات الصدق والإخلاص.

ما هو قيام الليل؟
قيام الليل هو التطوع بالصلاة في جوف الليل بعد صلاة العشاء وحتى الفجر، سواء كانت ركعتين أو أكثر، ويشمل ذلك الوتر والتهجد. وقد وردت آيات كثيرة وأحاديث نبوية تُثني على هذه العبادة العظيمة، وتُظهر منزلتها الرفيعة في الإسلام.

فضل قيام الليل في القرآن الكريم
لقد أثنى الله عز وجل على القائمين الليل في مواضع متعددة من القرآن الكريم، منها:

قال تعالى:
"كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ"
[الذاريات: 17-18]

وفي موضع آخر يقول سبحانه:

"وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا... وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا"
[الفرقان: 63-64]

ويخاطب الله نبيه محمد ﷺ قائلاً:

"وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا"
[الإسراء: 79]

فضل قيام الليل في السنة النبوية
جاءت أحاديث نبوية كثيرة تبين فضل قيام الليل، منها:

قال رسول الله ﷺ:
"أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"
[رواه مسلم]

وقال أيضًا:
"عليكم بقيام الليل؛ فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقُربة إلى ربكم، ومكفِّرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم"
[رواه الترمذي]

وكان النبي ﷺ لا يترك قيام الليل، وقد غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقيل له: "أتصلي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟" فقال:
"أفلا أكون عبدًا شكورًا؟"
[رواه البخاري ومسلم]

قيام الليل في حياة الصحابة والسلف
كان الصحابة والسلف الصالح يعظمون شأن قيام الليل ويحرصون عليه أشد الحرص، ومن أقوالهم:

قال الحسن البصري:
"ما نعلم عملاً أشد من قيام الليل وصيام النهار"

وقال سعيد بن المسيب:
"من المروءة قيام الرجل لصلاته بالليل"

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوقظ أهل بيته لصلاة الليل ويقول:
“الصلاةَ الصلاةَ!”

ثمرات قيام الليل
1. القرب من الله ونيل محبته
من يقوم الليل خاليًا بربه يناجيه ويدعوه، فإنه ينال درجة عالية من القرب والمحبة الإلهية.

2. نور في الوجه والقلب
القائمون الليل يُعرفون بنور وجههم وطمأنينة قلوبهم، كما أن أثر قيام الليل يظهر في ملامحهم وسلوكهم.

3. استجابة الدعاء
الثلث الأخير من الليل هو وقت استجابة الدعاء، وفيه ينزل الله سبحانه إلى السماء الدنيا ويقول:
“هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟”

4. مغفرة الذنوب وتكفير السيئات
كما جاء في الحديث، قيام الليل يُكفّر الذنوب ويمحو السيئات، ويُطهّر النفس من أدران المعاصي.

5. راحة القلب وزوال الهم
في قيام الليل شفاء للقلوب، وتنفيس للهموم، وسكينة تنزل على العبد في خلوته بربه.

كيف نُعين أنفسنا على قيام الليل؟
النية الصادقة والعزيمة
ابدأ بعقد نية خالصة لله، واطلب منه العون والتوفيق.

النوم المبكر
تجنب السهر على ما لا يفيد، حتى تستطيع الاستيقاظ بسهولة.

تقليل الأكل قبل النوم
فكثرة الطعام تثقل الجسد وتعيق عن الاستيقاظ.

الاستعانة بمن يوقظك
كزوجة صالحة أو منبه أو حتى صديق.

البدء بالقليل والاستمرارية
حتى لا تثقل النفس، ابدأ بركعتين فقط مع الوتر، ثم زد تدريجيًا.

نماذج من قيام الليل في حياة الناس اليوم
لا يقتصر قيام الليل على العلماء والعباد فحسب، بل هو مفتوح لكل مسلم، حتى من يعمل نهارًا ويكدّ، فيكفيه أن يستيقظ قبل الفجر بنصف ساعة فيصلي ركعتين ويتلو شيئًا من القرآن ويدعو الله، فيكون من القائمين بإذن الله.

خاتمة
إن قيام الليل باب عظيم من أبواب الطاعة، وغنيمة من غنائم الدنيا قبل الآخرة، لا ينالها إلا من صدق مع الله، فاجعل لنفسك نصيبًا منه، مهما قلّ، ولا تحرم نفسك من لذة المناجاة، ولا من الفيوضات الربانية التي تتنزل في ساعات السحر. ابدأ اليوم، ولو بركعتين، وداوم عليهما، فلعلك تكون من أهل قيام الليل الذين قال الله فيهم:

"تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ، يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا، وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءًۭ بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ"
[السجدة: 16-17]

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

3

مقالات مشابة