
قصه توبة كعب بن مالك
✨ قصة إسلامية: توبة كعب بن مالك – دروس في الصدق والثبات
في حياة الصحابة الكرام رضي الله عنهم مواقف عظيمة تبقى زادًا للمؤمنين عبر الأجيال، ومن أبرز هذه المواقف قصة توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه بعد تخلفه عن غزوة تبوك، وهي قصة مليئة بالعبر حول الصدق، والاعتراف بالخطأ، ورجاء رحمة الله تعالى.

خلفية القصة
خرج النبي ﷺ في السنة التاسعة للهجرة إلى غزوة تبوك، وكانت من أصعب الغزوات، إذ وقعت في وقت حر شديد، مع قلة الزاد، وبعد المسافة. وقد استنفر النبي ﷺ المسلمين، فخرج معه المؤمنون، إلا ثلاثة من الصحابة تخلفوا بلا عذر: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع رضي الله عنهم.
كان كعب شابًا قويًا، لم يكن عنده أي عذر للتخلف، ولكنه تهاون حتى فاتته الغزوة. وبعد عودة النبي ﷺ من تبوك، جاءه المنافقون يعتذرون بأعذار كاذبة، فقبل النبي ﷺ علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله. أما كعب رضي الله عنه فاختار أن يكون صادقًا، فقال للنبي ﷺ:
> “والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك”.
فأمره النبي ﷺ أن ينتظر حكم الله فيه، ونهى الناس عن كلامه، فهجره المسلمون، حتى أقرب الناس إليه.
الامتحان الصعب
مضت الأيام ثقيلة على كعب، حتى ضاقت عليه الأرض بما رحبت، وضاقت عليه نفسه. كان يمشي في الأسواق فلا يكلمه أحد، وكان إذا سلم على النبي ﷺ في المسجد لا يدري: هل رد عليه السلام أم لا؟
واشتد البلاء حين أمر النبي ﷺ نساء الثلاثة أن يبتعدن عنهم، فازدادت المحنة. ومع ذلك ظل كعب ثابتًا على صدقه، لم يلجأ إلى كذب ولا إلى نفاق.
ثم جاءه خطاب من ملك غسان (ملك نصراني بالشام) يقول فيه: “قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك، فالحق بنا نواسك”. لكن كعب رضي الله عنه أدرك أن هذه فتنة، فقام مباشرة وأحرق الكتاب.
بشارة التوبة
وبعد مرور خمسين ليلة من الامتحان الصعب، أنزل الله توبته في قوله تعالى:
> **﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [التوبة: 118].
فأرسل النبي ﷺ إلى كعب يخبره بقبول الله لتوبته، فخر ساجدًا شكرًا لله، وهرع الصحابة يبشرونه، حتى أن أحدهم صعد على جبل لينادي: “يا كعب أبشر!”.
وعندما جاء كعب إلى النبي ﷺ قال له: “يا رسول الله، إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة لله ورسوله”. فقال ﷺ: “أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك”.

الدروس المستفادة
هذه القصة ليست مجرد موقف تاريخي، بل هي منهج حياة للمسلم:
1. الصدق منجاة: فلو اختار كعب أن يكذب كالمنافقين، لكان مصيره الخزي في الدنيا والآخرة، لكن صدقه جعله من أهل التوبة.
2. الصبر على البلاء: فقد عاش خمسين ليلة في عزلة تامة، صابرًا محتسبًا.
3. الحذر من الفتن: موقفه مع رسالة ملك غسان يعلّمنا رفض كل إغراء يبعدنا عن الحق.
4. سعة رحمة الله: مهما كان الذنب عظيمًا، فإن رحمة الله أوسع، والتوبة تمحو ما قبلها.
خاتمة
إن قصة توبة كعب بن مالك رضي الله عنه تذكّرنا بأن المسلم قد يزلّ ويخطئ، لكن الخير في أن يعود إلى ربه صادقًا نادمًا. فباب التوبة مفتوح ما دامت الروح في الجسد، وصدق النبي ﷺ حين قال:
> “التائب من الذنب كمن لا ذنب له”.
فلنجعل هذه القصة نبراسًا لنا في حياتنا، نتمسك بالصدق، ونصبر على الابتلاء، ونرجو دائمًا رحمة الله الواسعة.
---