
«لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ: عزم موسى والهمم العالية في طلب العلم».

«لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ: عزم موسى والهمم العالية في طلب العلم»
مقدمة.
يحوى القرآن الكريم قصة نبي الله موسى –عليه السلام– حين قال لفتاه معبرًا عن عزمه وإصراره:
﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: 60].
وهذه الكلمات تُجسد رمزًا للهمة والتصميم على بلوغ المعرفة والحق، مهما طالت المسيرة.
معنى "لا أبرح... حتى أبلغ" في التفسير.
كلمة "لا أبرح" تأتي بمعنى "لا أزال" أو "لن أتوقف". بينما "مجمع البحرين" يُفسر على أنه ملتقى بحر الروم وبحر فارس (كما قال قتادة ومجاهد).
ويقول الشيخ ابن عثيمين: «لا أبرح أي لا أزال أسير إلى أن أصل، وإن طال الزمن “أمضي حقبًا” أي أواصل سنين طويلة».
قصة الآية الكريمة .
يروي القرآن الكريم أن موسى عليه السلام خطب في بني إسرائيل، فسُئل: "من أعلم الناس؟"، فأجاب: "أنا"، فعاتبه الله لأنه لم يردّ العلم إليه سبحانه، وأوحى له أن هناك عبدًا صالحًا هو الخَضِر أعلم منه في بعض الأمور. فأراد موسى أن يتعلم منه، وأمره الله أن يجعل علامة اللقاء فقدان الحوت عند مجمع البحرين. عندها أعلن موسى عزمه قائلاً: ﴿لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا﴾ [الكهف: 60]، أي لن يتوقف حتى يلقى الخَضِر مهما طال الطريق."تفسير الطبرى ،صحيح البخارى ".
دروس وعبر من الآية.
من خلال هذه القصة، يتعلم المسلم أن من أراد العلم الحق قد يحتاج إلى مسيرة طويلة وصبر مستمر. فموسى –عليه السلام– نموذج للعالم الذي لا يتوقف حتى يبلغ مبتغاه مهما كان الطريق شاقًا.
سعي الأنبياء في طلب العلم.
رحلة موسى –عليه السلام– لم تكن عادية، بل نموذجًا لحرص الأنبياء على طلب العلم، رغم ما أوتوا من وحي. وهذا يعلّمنا أن باب العلم لا يُغلق أمام أحد، وأن الكمال لا يتحقق إلا بمداومة التعلم.
لذا يجب أن نعلم أن :
🌸 "لك وقتك الخاص، فلا تستعجل ثمارك."
🌟 "الله يدبر أمرك في الوقت الذي يناسبك."
🌷 "رحلتك مختلفة، فاصبر لتزهر بطريقتك."
☁️ "البداية المتأخرة خير من عدم البداية."
الصحبة الصالحة في طريق العلم.
الآية ذكرت "فتاه" وهو يوشع بن نون –عليه السلام–، لتبيّن قيمة الصحبة الصالحة في مسيرة طلب العلم. فالمسافر في دروب المعرفة يحتاج إلى من يُعينه ويشد عزيمته. قال رسول الله ﷺ: «المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل» (رواه الترمذي).
الصبر طريق الإنجاز.
قول موسى: "أو أمضي حقبًا" يعني استعداده للسير سنوات طويلة حتى يصل، وهو درس بليغ في أن الإنجاز العظيم لا يتحقق إلا بالصبر. قال ﷺ: «واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا» (رواه أحمد).
أقوال مأثورة تعزز المعنى.
قيل: «لا تحسب المجدَ تمرًا أنت آكله — لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا».
وقال الشافعي: «ومن طلب العلى بغير كد، أضاع العمر في طلب المحال».
وهذه الأقوال تعكس روح الآية: لا مجد إلا مع الجدّ والصبر.
الخاتمة.
قصة موسى في قوله "لا أبرح حتى أبلغ..." تعلمنا مبدأ جوهريًا: العزم على بلوغ الخير، وأن طريق الحقيقة يحتاج إلى صبر ومجاهدة. فلتكن همتك عالية وسعيك دائمًا، تسير بخطى ثابتة نحو هدفك، متسلحًا بالإيمان والصبر.