عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه))
المقدمة:-
بسم الله الرحمن الرحيم لرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات اعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ،ومن يضلل فلا هادي له،وإن أصدق الحديث كلام الله،وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:-
فالحديث هو:-
عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 2622 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
التخريج : أخرجه البخاري (2622) واللفظ له، ومسلم (1622)
شرح الحديث:-
الرُّجوعُ في الهِبةِ مِن الأفعالِ الذَّميمةِ والتَّصرُّفاتِ الدَّنيئةِ التي تُنافي المُروءةَ، ولا يَرتَضيها الطَّبعُ السَّليمُ، ومِن ثَمَّ نفَّرَ منه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وشبَّه فاعِلَه بأقبَحِ الصُّوَرِ وأشنَعِها.
وفي هذا الحديثِ يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه لا يَنبغي ولا يَحِلُّ لنا أنْ نَرتَضِيَ لأنفُسِنا مثَلَ السَّوءِ، «الذي يَعُودُ في هِبَتِهِ كالكَلْبِ يَرْجِعُ في قَيْئِهِ»، بأنْ يَقِيءَ ما في بطْنِه ثمَّ يَعودَ فيَأكُلَ قَيئَه؛ فشبَّهَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الذي يَعودُ في هِبَتِه التي يُعْطيها لغيرِه بالكَلْبِ يَرجِعُ في قَيئِه. والمعْنى: لا يَنْبغي لنا مَعشَرَ المؤمنينَ أنْ نتَّصِفَ بصِفةٍ ذَميمةٍ نُشابِهُ فيها أخسَّ الحَيَواناتِ، وقَليلًا ما جاءَ هذا التَّشبيهُ في الشَّريعةِ؛ ممَّا يَدلُّ على عِظَمِ قُبحِ هذه الفِعلةِ، وإنَّما شَبَّهه بالقَيءِ ولم يُشبِّهْهُ بغيرِه مِن المحرَّماتِ؛ تَقْبيحًا لشَأنِه، وأنَّ النَّفْسَ كما تَكرَهُ الرُّجوعَ في القَيءِ وتَأنَفُ منه وتَستقذِرُه؛ فكذا يَنبَغي أنْ تَنفِرَ مِن الرُّجوعِ في الهِبَةِ وتَكْرَهَه.
وهناك روايات كثيرة لهذا الحديث منها:-
أورد البخاري هذا الحديث في باب: لا يحل لأحد أن يرجع في هبته وصدقته، من طريق سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
ثم أورده من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه)).
أما مسلم، فقد أورد هذا الحديث من طريق طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما باللفظ الذي أورده المصنِّف.
وأورده من طريق قتادة عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((العائد في هبته كالعائد في قيئه)).
وأورده من طريق أبي جعفر محمد بن علي، عن ابن المسيب، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَثَل الذي يرجع في صدقته كمَثَل الكلب يقيء ثم يعود في قيئه فيأكله)).
وأورده من طريق بكير سمع سعيد بن المسيب يقول: سمعت ابن عباس يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما مَثَل الذي يتصدَّق بصدقة، ثم يعود في صدقته؛ كمَثَل الكلب يقيء ثم يأكل قيأه)).
أما إذا وهب الوالد أحدَ أولاده دون بقية أولاده، فإن عليه أن يرجع في ذلك؛ لِما تقدَّم في الحديث الأول من أحاديث هذا الباب؛ إذ إن الهبة لبعض الأولاد دون بعض جورٌ وعمل من أسوأ ما يورث العقوق والقطيعة بين الأولاد.
ما يفيده الحديث:-
1- لا يحل لواهب أن يرجع في هبته المشروعة.
2- يجب على المسلم أن يتنزه عن مشابهة الكلاب.
3- أن الرجوع في الهبة المشروعة يدلُّ على خِسَّة الراجع.
الخاتمة:-
الحديث النبوي الشريف والسنة النبوية المطهرة من الأمور التي تحتاج إلى الفهم والتعمق في معانيها والإحاطة بكل ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ،أسأل الله أن يوفقنا لذلك ،وأسأل الله أن ينفعنا بما يعلما،ويعلمنا ما ينفعنا، فهو على كل شيء قدير.
والحمد لله رب العالمين
