"العمل وبناء الذات: منهج إسلامي لشباب أقوى في زمن التشتت"

"العمل وبناء الذات: منهج إسلامي لشباب أقوى في زمن التشتت"

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

دور العمل واستغلال الوقت في بناء شباب واعٍ وناجح: رؤية إسلامية للشباب في زمن التحديات

 

 

في زمن تتسارع فيه الأحداث، وتتغيّر فيه الأولويات، ويزداد فيه سعي الشباب نحو الشهرة السريعة والمكاسب اللحظية، يصبح العمل الحقيقي واستغلال الوقت هما البوصلة التي تعيد الإنسان إلى طريق النجاح، وتربطه بقيمٍ أصيلة دعا إليها الإسلام منذ أكثر من 1400 عام.

لقد قدّم القرآن الكريم والسنّة النبوية نموذجًا متكاملاً لبناء الإنسان العامل، الجاد، الذي يعرف قيمة وقته، ويُدرك أن حياته لن تتكرر، وأن العمل عبادة، والوقت رأس مال لا يمكن تعويضه.

 

 

أولا: قيمة العمل في القرآن الكريم

 

جعل الله تعالى العمل مقياسًا للإنسان، وسببًا لازدهار الأمم، ومحورًا لحياة الفرد والجماعة. يقول الله تعالى:

> ﴿فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب﴾

(سورة الشرح: 7–8)

 

هذه الآية تضع قاعدة ذهبية للحياة:

ما إن ينتهي المسلم من عمل حتى يبدأ في آخر، فلا مكان للكسل، ولا وقت للفراغ الذي يقتل الطموح.

ويقول الله سبحانه أيضًا:

> ﴿قُلْ اِعْمَلُوا فَسَيَرَى اللّٰهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾

(التوبة: 105)

 

إنها دعوة مباشرة، واضحة، بلا تأويل:

اعملوا…

فإن قيمة الإنسان في عمله، لا في كلامه ولا في أمنياته.

والعمل في الإسلام ليس مجرد وسيلة للكسب، بل هو سببٌ لعمارة الأرض:

> ﴿هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾

(هود: 61)

أي طلب منكم عمارتها بالعمل والإنتاج والإبداع.

 

  ثانيًا: أحاديث نبوية تحفّز الشباب على العمل والاجتهاد

جاءت سنّة النبي ﷺ لتؤكد أن العمل شرف، وأن قيمة الإنسان تُقاس بقدر ما يُقدّمه، لا بقدر ما يحصل عليه دون جهد.

ومن أعظم الأحاديث التي تؤسس لثقافة العمل:

1. “ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده”

رواه البخاري.

هذه الكلمات الخالدة تُشعر كل شاب أن أجمل رزق هو ما جاء بعرق الجبين، وليس بما يأتي بلا تعب أو عبر طرق ملتوية.

2. “اغتنم خمسًا قبل خمس…”

ومنها: شبابك قبل هرمك، وفراغك قبل شغلك.

والنبي ﷺ هنا يرسل رسالة مباشرة للشباب:

وقتك أغلى مما تظن، فلا تهدره في التفاهات واللاشيء.

3. “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يُتقنه”

حديث يدل على أن قيمة العمل لا تكتمل إلا بالإتقان، فالنجاح الحقيقي ليس في البدء فقط، بل في الإتقان والصبر والمثابرة.

4. قصة الرجل القوي الذي مرّ بالنبي ﷺ

قال الصحابة: لو كان هذا في سبيل الله!

فقال النبي ﷺ:

“إن كان يسعى على والديه فهما له سبيل الله…”

الحديث.

أي أن السعي والعمل من أجل الرزق الحلال والاعتماد على الذات يُعد عبادة.

image about

 

 

  ثالثًا: لماذا يحتاج شباب اليوم إلى ثقافة العمل أكثر من أي وقت؟

نحن نعيش في عصر السرعة، عصر “الشهرة الفورية” و“الربح السريع”، وفي هذا التيار قد ينجرف الشباب بعيدًا عن قيمة العمل الحقيقية.

لكن الواقع يُثبت دائمًا أن:

النجاح الحقيقي يحتاج إلى عمل مستمر.

بناء النفس أهم من بناء الشهرة.

العلم والمهارة أثمن من أي محتوى لحظي.

 

إن أوقات الشباب مليئة بالطاقة، والقدرة على التعلم، والابتكار، والتجربة، ولكن هذه الطاقة إن لم تُستغل، تصبح عبئًا على صاحبها.

وصدق الإمام الشافعي حين قال:

“نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.”

 

  رابعًا: استغلال الوقت… مفتاح النجاح للشباب

الوقت هو الثروة التي لا تُشترى، ولا تتكرر، ولا يعود منها شيء.

وقد قال ﷺ:

“نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.”

أي أن الناس لا يعرفون قيمة الوقت والصحة إلا بعد فواتهما.

كيف يستغل الشاب وقته بذكاء؟

1. تحديد هدف واضح

بدون أهداف… الوقت يضيع.

 

2. تعلم مهارات جديدة

مهارة واحدة قد تغيّر حياة كاملة.

 

3. العمل الحر والعمل عن بُعد

أبواب واسعة مفتوحة للشباب اليوم.

 

4. الابتكار وعدم تقليد الآخرين

فالعالم يحتاج شبابًا مؤثرين… لا مكررين.

 

5. الاستفادة من التكنولوجيا بدل أن تستهلك الوقت

اجعل هاتفك أداة إنتاج… لا أداة ضياع.

 

خامسًا: العمل عبادة… والرزق الحلال رفعة وكرامة

يعلّم الإسلام الشباب ألا ينتظروا المساعدة من أحد، ولا يعيشوا على هامش الحياة.

قال النبي ﷺ:

“لأن يحتطب أحدكم حزمة على ظهره خير له من أن يسأل أحدًا فيعطيه أو يمنعه.”

أي أن الاعتماد على النفس شرف، والرزق الحلال نور، والعمل لو كان بسيطًا خير من البطالة ومن انتظار الآخرين.

 

 سادسًا: رسالة إلى شباب اليوم

يا شبابنا…

أنتم أمل الأمة، وعماد المستقبل، وسواعد البناء.

لا تجعلوا وقتكم يضيع، ولا طاقتكم تُهدر، ولا أحلامكم تتآكل بسبب المقارنات أو التشتت أو اللهو الزائد.

اعملوا… واجتهدوا… واغتنموا كل لحظة.

لا تنتظروا الظروف كي تتغيّر، بل غيّروها أنتم.

ولا تقولوا “غدًا”… فالغد ملكٌ لمن يعمل اليوم.

واعلموا أن النجاح ليس ضربة حظ، ولا فيديو ينتشر فجأة، ولا شهرة تأتي في أسبوع.

النجاح…

هو رحلة طويلة يبدأها صاحبها بخطوة واحدة…

ثم خطوة…

ثم خطوات…

حتى يصنع اسمه بعرقه وإتقانه وصبره.

 

خاتمة

لقد وضع الإسلام منهجًا واضحًا للشباب:

اعمل… اغتنم وقتك… لا تضِع عمرك… وابنِ نفسك قبل أن تبني أي شيء آخر.

فالعمل قيمة، والوقت نعمة، والشباب فرصة لا تتكرر، ومن أدرك هذا، سار على الطريق الصحيح، وبنى مستقبله بإرادة قوية وقلبٍ واثق بالله.

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
Seham Elazazy تقييم 5 من 5.
المقالات

5

متابعهم

4

متابعهم

7

مقالات مشابة
-
إشعار الخصوصية
تم رصد استخدام VPN/Proxy

يبدو أنك تستخدم VPN أو Proxy. لإظهار الإعلانات ودعم تجربة التصفح الكاملة، من فضلك قم بإيقاف الـVPN/Proxy ثم أعد تحميل الصفحة.