الامانة ودورها الأساسى فى حياة الإنسان

الامانة ودورها الأساسى فى حياة الإنسان

0 المراجعات

الأمانة 

مقدمة 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله . 

( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) [ آل عمران : 102 ] 

( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءا واتقوا الله الذى تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) [ النساء : 1 ] 

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً (70) يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسولة فقد فاز فوزاً عظيماً ) [ الاحزاب : 70 ، 71 ] 

أما بعد :

فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى نبينا محمد  وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار 

ثم أم بعد ..

قال تعالى [ النساء 58 ] 

هذه الأية من أمهات الآيات المشتملة على كثير من أحكام الشرع

قال أبو السعود رحمه الله فى تصدير الكلام بكلمة التحقيق وإظهار الاسم الجليل وإيراد الأمر على صورة الإخبار من الفخامة وتأكيد وجوب الامتثال به والدلالة على الاعتناء بشأنه ما لا مزيد عليه .

وهو خطاب يعم حكمة المكلفين قاطبة كما أن الأمانات تعم جميع الحقوق المتعلقة بذممهم فمن حقوق الله تعالى وحقوق العباد سواء كانت فعلية او قولية أو اعتقادية 

وقال الرازى عفا الله عنه :

اعلم أنه سبحانه لما حكى عن أهل الكتاب أنهم كتموا الحق حيث قالوا للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا أمر المؤمنين فى هذه الآية بأداء الأمانات فى جميع الأمور سواء كانت تلك الأمور من باب المذاهب والديانات أو من باب الدنيا والمعاملات .

ثم قال واعلم أن معاملة الانسان إما إن تكون مع ربه أو مع نفسه أو مع سائر العباد ولابد من رعاية الأمانة فى جميع هذه الأقسام الثلاثة 

أما رعاية الأمنة مع الرب سبحانه فهى فى فعل المأمورات وترك المنهيات وهذا بحر لا ساحل له .

قال ابن مسعود رضى الله عنه الأمانة فى كل شئ لازمة فى الوضوء والجنابة والصلاة والزكاة والصوم () .

فالضوء أمانة يجب أن تؤديها على أكمل وجه وذلك بأن تسبغ الوضوء وتلتزم بما صح عن رسول الله فى صفة وضوئه من غير زيادة ولا نقص .

والغسل من الجنابة أمانة يجب عليك ان تحافظ على الغسل كلما وجب عليك لسبب من الأسباب وأن تعم جميع بدنك بالماء ويستحب أن تغتسل كما كان النبى  يغتسل .

والصلاة أمانة يجب أن تحافظ عليها بإسباغ وضوئها والمحافظة على وقتها وشهود الجماعة فيها والخشوع وأن تحسن قراءتها وتطمئن فى ركوعها وسجودها وأن تصلى كما كان النبى يصلى .

والزكاة أمانة يجب عليك أن تؤديها كلما وجبت عليك وأن تؤديها عن طيب نفس كاملة غير منقوصة وأن تضعها فى يد مستحقيها وأن لا تحابى بها ولا تجاهل .

والصيام أمانة يجب عليك أن تراقب الله تعالى فيه وأن تبتعد عن اللغو والرفث والفسوق والعصيان وعن كل ما يفسد الصود أو يحبط الأجر .

والحج أمانة يجب عليك أن تؤديها متى وجبت عليك .

وهكذا كل ما فرض الله عليك من الشرائع يجب أن تؤديه كما أمر الله وكل ما حرم الله عليك يجب أن تجتنبه فمن فعل الواجبات وترك المحرمات فقد أدى الأمانة فيما بنيه وبين الله .

وقال ابن عمر رضى الله عنه أنه تعالى خلق فرج الانسان وقال هذا أمانة خبأتها عندك فاحفظها إلا بحقها .

قال الرازى عفا الله عنه وهذا باب واسع 

فأمانة اللسان أن لا يستعمله فى الكذب والغيبة والنميمة والكفر والبدعة والفحش وغيرها .

وأمانة العين أن لا يستعملها فى النظر إلى الحرام وأمانة السمع أن لا يستمعله فى سماع الملاهى والمناهى وسماع الفحش والأكاذيب وغيرها وكذا القول فى جميع الأعضاء .

وأما القسم الثانى وهو أمانة الإنسان مع نفسه فهو أن لا يختار لنفسه إلا ما هو الأنفع والاصلح له فى الدين والدنيا وأن لا يقدم بسبب الشهوة والغضب على ما يضره فى الآخرة 

ولا ينفع النفس شئ مثل الايمان ولا يضرها شئ مثل الكفر ولا ينفعها بعد الإيمان شئ مثل الطاعة ولا يضرها بعد الكفر شئ مثل المعصبة .

فمن آمن بالله وعمل صالحا فقد أدى الأمانة فيما بينه وبين نفسه ومن كفر بالله فقد خان نفسه ومن ترك الطاعة وفعل المعصية فقد خان نفسه . 

وأما القسم الثالث وهو رعاية الامانة مع سائر الخلق فأول من يدخل فيه الزوجة والأوالد فهم أمانة عندك يجب عليك أن تتقى الله فيهم وأن ترعى مصالحهم الدينية والدنيونية وأن تأمرهم بالمروف وتناههم عن المنكر وترشدهم إلى الخير حتى ينجو من النار قال الله تعالى [ التحريم 6 ] 

وقال تعالى [ طه 132 ] .

وعن عمرو بين شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله ÷ " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم فى المضاجع " 

ويجب على المرأة أن تكون أمينة على مال زوجها وأولاده وجميع أسراره وأن تحفظه فى نفسها وماله 

ويدخل فى رعاية الأمانة مع سائر الخلق تعليم العلم فالذى يتعلم العلم قد أودع أمانة وأخذ عليه العقد بأن يؤدى هذه الأمانة ويفيد الناس ويرشدهم بهذا العلم قال تعالى [ آل عمران 187 ) .

ولذلك عد علماء أهل الكتاب خائنين بكتمان صفات النبى  ، فيجب على العالم أن يؤدى أمانة العلم على الناس كما يجب على من أودع المال أن يرده إلى صاحبه 

وعلى المعلمين فى جميع مراحل التعليم أن يؤدوا الأمانة فى التعليم فيسلكوا بالطلبة أقرب الطرق إلى تفهيمهم وتعليمهم وأن يعاملوا كل طائفة بما تتحمله عقولهم وأفهامهم وعليهم ان يركزوا فى نفوسهم حب الله وحب رسوله والمؤمنين وأن يغرسوا فى نفوسهم قواعد الدين وأسسه وأهدافه فى قلوبهم

ومن الأمانة فى التعليم حفظ أسئلة الامتحان من التسريب ودقة المراقبة وقت الاجابة بحيث يكون المراقب هطنا حازما لا يدع فرصة للتلاعب ولا يحابى ابنا لقريب ولا لصديق لأنهم هنا على درجة واحدة كلهم فى ذمة المراقب وعهدته سواء وتتأكد الأمنة عند تصحيح الأجوبة بحيث يكون التصحيح دقيقا لا يتجاوز فيه ما يسمح به النظام حتى لا يظلم أحد على حساب الآخر ولا ينزل طالب إلى فى المنزلة التى يستحقها 

ويدخل فى رعاية الأمانة مع سائر الخلق مصالح العامة عند الموظفين فقد وضعت الحكومة كل موظف فى مكانة ليقوم بقضاء حوائج الناس ومصالحهم وحل مشاكلهم فعلى كل موظف أن يتقى الله فيما ائتمن عليه وأن يقوم بما عهد إليه ولا يجوز الاهمال والتقصير فى ذلك كما لا يجوز له تعطيل مصالح الناس ليحصل منهم على مال قل أو كثر فإن هذا خيانة للأمانة وأكل لأموال الناس بالباطل .

عن أبى حميد الساعدى رضى الله عنه أن رسول الله  قال هدايا العمال غلول  وعن رضى الله عنه قال استعمل رسول الله  رجلا من الاسد يقال له أن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا لى أهدى لى قال فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال " ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدى لى أفلا قعد فى بيت أبيه أو فى بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا ؟! والذى نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيام هيحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاه تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتى إبطية ثم قال الله هل بلغت مرتين

ويدخل فى رعاية الأمانة مع سائر الخلق كل ما يأتمن الناس بعضهم بعضا عليه كالدين والوديعة والعارية والكيل والميزان والثمن المؤجل وقيمة الايجار ونحو ذلك قال الله تعالى [ البقرة 283] .

قال ابن عباس رضى الله عنه لم يرخص الله لموسر ولا معسر أن يمسك الأمانةقال القرطبى رحمه الله وهذا إجماع

قال السيوطى رحمه الله فى الاكليل فى هذه الاية وجوب رد كل أمانة من وديعة وقراض وقرض وغير ذلك واستدل المالكية بعموم الآية على أن الحربى إذا دخل دارنا بأمان فأودع وديعة ثم مات أو قتل أنه يجب رد وديعته إلى أهله وأن المسلم إذا استدان من الحربى بدار الحرب ثم خرج يجب وفاؤه وأن الأسير إاذ ائتمنه الحربى على شئ لا يجوز له أن يخونه 

ولقد ضرب النبى  المثل الأعلى فى أداء الأمانة إلى المحاربين :

قال ابن اسحاق رحمه الله ولم يعلم فيما بلغنى بخروج رسول الله  أحد حين خرج إلا على بن أبى طالب وأبو بكر الصديق وآل أبى بكر أما على فإن رسول الله  فيما بلغنى أخبره بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكه حتى يؤدى عن رسول الله  الودائع التى كانت عنده للناس وكان رسول الله ÷ ليس بمككة أحد عنده يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم ن صدقه وأمانته . 

كما دلت الآية على أن من أودجع مالا وكان المودع خانة قبل ذلك فليس له أن يجحده كما جحده لقول النبى ÷ أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك

إن شأن الأمانة عظيم وقد عد النبى  الأمانة من الإيمان والخيانة من النفاق والطغيان :

عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : ما خطبنا نبى الله  إلا قال : " لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له 

وعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى  : قال :" آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان 

وكان النبى يحث على قضاء الديون ورد الودائع ويحذر من المماطلة وعدم القضاء :

عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى  قال : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله

وعن صهيب الخير رضى الله عنه عن رسول الله  قال : " أيما رجل يدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه غياه لقى الله سارقا " 

وعن أبى هريرة رضى الله عنه ان رسول الله  قال: مطل الغنى ظلم " 

وعن عمرو بن الشريد عن أبيه رضى الله عنه قال : قال رسول الله  : " لى الاجد يحل عرضه وعقوبته "

فمن أدى الأمانة فقد أطاع الله ورسوله وأبرأ ذمته ومن لم يفعل ذلك فى الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة كما ثبت فى الحديث عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله  قال : لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجلحاء من القرناء " 

وعن ابن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله  : من مات وعليه دينار أو درهم قضى من حسناته ليس ثم دينار ولا درهم 

وعن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله   : أتدرون ما المفلس ؟ قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتى يأتى يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وياتى قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح فى النار "

وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال القتل فى سبيل اللك يفر الذنوب كلها إلا لامانة قال يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل فى سبيل الله فيقال أد أمانتك فيقول أى رب كيف وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال انطلقوا به إلى الهاوية فينطلق به إلى الهاوية وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرها فيهوى فى غثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه فهو يهوى فى إثرها حتى يدركها فيحملها على منكبية حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبية فهو يهوى فى إثرها أبد الأبدين .

ثم قال الصلاة أمانة والوضوء أمانة والوزن أمانة والكيل أمانة وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع قال يعنى زادذان فأتيت البراء بن عازب فقلت ألا ترى ما قال ابن مسعود ؟ قال : كذا وكذا قال صدق أما سمعت الله يقول ( النساء 58 ) 

ومن عظم شأن الأمانة : أن النبى قال فى صوف الصراط الذى ينصب بين ظهراني جهنم يوم القيامة : " وترسل الأمانة والرحم فيقومان جنبتى الصراط " فلا يجوز إلا من أدى الأمانة ووصل الرحم . 


 


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

1

متابعين

2

متابعهم

1

مقالات مشابة