الربط والزوايا الصوفية مؤسسات دينية وعلمية وثقافية وعسكرية

الربط والزوايا الصوفية مؤسسات دينية وعلمية وثقافية وعسكرية

0 المراجعات

بسم الله الرحمن

_ انتشر التصوف في العصور الإسلامية المتعاقبة وتمسك الناس بطريق الزهد والتنسك ، وقد أقاموا لهذا النوع من العبادة دوراً وأبنية كان لها أسماء متعددة ، مثل الخانقاه أو الزوايا أو الرباط أو التكية أو المصطبة وغيرها من الأسماء .

 

_ كان لهذه الدور المخصصة لمن سلك سبيل التصوف وظائف محددة في تهذيب  وتزكية نفس المريد وزيادة تعلق هذه النفوس بخالقها سبحانه وتعالى ، واعتمدت في تمويلها على أعطيات الدولة والناس عامهم وخواصهم .

 

_ نشأت في المقرات الصوفية أجيال عرفت الزهد والإنعزال بالنفس عن الدنيا والسير بها نحو الآخرة وما فيها من نعيم ، فثابرت على المداومة على الطاعة وكثرة العبادات والنوافل والوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى ، وقد جمع بعض هؤلاء المريدين بين العلم الشرعي والزهد ، وقد سلك البعض الآخر أحد الطريقين في البداية ثم أنتقل إلى الطريق الآخر بعد ذلك .

 

_ اتجهت الجماعات الصوفية في الزوايا والربط نحو المنهج الجماعي في العبادة وتلاوة الأذكار ، فيجتمع المريدون مع شيخهم في أوقات محددة في النهار وفي الليل للقيام بالعبادات تحت نظام موحد يجمعهم ، سمي هذا النظام بالطريقة التي تسير عليها الجماعة في العبادة والسلوك الصوفي .

 

_ جمعت الدور الصوفية بين وظيفتها في التصوف وما يقترن به من الأذكار والعبادات إلى طلب العلم وإقامة الدروس العلمية وكان ذلك قليلاً مع ظهور هذه الدور ثم أتسع ذلك مع إزدياد أعدادها في أرجاء العالم الإسلامي .

 

_ اتسمت المراكز الصوفية بأنها أصبحت مقراً لسكن المتصوفين من أجل العبادة والزهد وممارسة الحياة الطبيعية من الأكل والشرب والنوم واللباس ، كما سكنها بعض الفقراء واليتامى وكبار العلماء ، وتحولت إلى ملتقى لإجتماعات العلماء ومناقشاتهم العلمية ، وكانت مدفن لبعض أصحابها المريدين ، ومأوى للعاجزين وكبار السن من الرجال والنساء الذين ليس لهم من عائل يعولهم ولا بيت يأويهم .

 

_ برز دور مهم للدور الصوفية في التربية الدينية والعسكرية لمريديها ، فمن الناحية الدينية يتلقى الطلاب من شيخهم التوجيه والإرشاد والنصح ، أما من الناحية العسكرية فقد أتخذت تلك الزوايا من حدود الدولة الإسلامية مقرات لها ، تحمي ثغور المسلمين من هجمات الأعداء المتربصين بهم ، لذلك كان لا بد من التدريب على القتال بالأسلحة والمهارة العسكرية اللازمة للتأهب لأي هجوم مفاجىء من الأعداء .

 

_ تميزت دور التصوف بالإنتاج العلمي الغزير من خلال المؤلفات العلمية لبعض العلماء والأدباء واللغويين والنحاة ، وعلى سبيل المثال كتاب (( الفضول والغايات لأبي العلاء المعري المتوفى عام 449 هـ ـ 1058 م  )) ، وكتاب (( الفنون لأبي الوفاء علي بن عقيل البغدادي الحنبلي المتوفى عام 513 هـ ـ 1119 م )) ، فوجدت خزائن من الكتب في دور التصوف وعينوا عليها من قام بصيانتها وترتيبها وتنظيم حركة التأليف والمطالعة فيها .

 

_ المعلم أو الشيخ أساس مهم للتصوف لما له من تأثير على مريدية روحياً ونفسياً فينتقل هذا التأثير نحو طلابه فيصبحون بعد ذلك شيوخاً يتأثر بهم من بعدهم ، وأهم أعمال الشيوخ هو الإشراف على الدار ويشترط في الشيخ أو المعلم أن يكون من العلماء المشهورين ، ومن الزهاد المتصوفين وأن يكون حسن السيرة قدوة لمن حوله ، قادراً على التدريس وكان يطلق علية كبير الجماعة أو شيخ الشيوخ ، وقد يناط به مهمة المسئولية عن عدة زوايا يعين عليها شيوخاً من قبله ، ويوصي بتعيين من يخلفه في مركزة بعد وفاته ،

 

_  اختلفت أعداد المريدين في الدور حسب اتساعها وما تم وقفه عليها من الريع والجرايات وقد يصل العدد إلى نحو مائة مريد ، واشترط أن يكون المريد من العارفين بطرائق الصوفية وآدابهم ولم يشترط منهم جنس معين أو عمر معين .

 

_ أما بالنسبة لأوقات الحضور للدروس فقد قسمت بعض الدور ذلك إلى قسمين ، قسم يأتي لحضور الدرس في الصباح والقسم الآخر منهم يحضر للدرس بعد صلاة العصر ، ولكل قسم شيخ خاص بهم ، وهناك من الزوايا من جعلت الحضور خمس مرات في كل يوم وليلة عقب كل صلاة .

 

_ إن لهذه الزوايا والرباطات الصوفية دورها المهم الذي قامت به من الناحية الدينية والثقافية والإجتماعية والعسكرية ، فكانت منائر للعلماء والمفكرين والدارسين ، وقد ضمت في مكتباتها نفائس الكتب والمؤلفات والآثار ، وصنعت لنا قيماً عالية في الزهد والتصوف والأخلاق والتربية ، والحق أن بعض الممارسات الصوفية المنحرفة لا علاقة لها بالتصوف المنضبط والذي يحكمه شرعنا الحنيف وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

4

متابعين

8

متابعهم

49

مقالات مشابة