
كيف تحوّل عمر بن الخطاب من أشد أعداء الإسلام إلى "الفاروق"؟
نشأة عمر بن الخطاب
وُلد عمر بن الخطاب في مكة، وسط مجتمع قبلي لا يعرف الرحمة بالضعفاء، ولا يُقدّر إلا القوة والشرف والنسب.
كان عمر من هؤلاء الأقوياء، نشأ في الجاهلية على القسوة والصرامة، وتعلّم الفروسية والقراءة والكتابة، وهي صفات نادرة في زمانه.
نشأة عمر بن الخطاب في الجاهلية كانت مليئة بالشدة، مما جعل له صوت مسموع بين قريش، وكان يُعرف برجاحة عقله وقوة بدنه.
اسلام عمر بن الخطاب
عندما ظهرت دعوة النبي محمد ﷺ، وقف عمر من أوائل من عارضها.
لم يكن يعارض من جهل، بل من خوف على تقاليد قريش وهيبتها.
وازداد رفضه للدعوة حتى قرر في أحد الأيام أن ينهي الأمر كله بقتل النبي ﷺ.
لكن الله أراد له الهداية لا القتل.
في طريقه، علم أن أخته وزوجها أسلما. دخل عليهما غاضبًا، فضربهما، ثم رأى ورقة فيها آيات من سورة "طه"، فطلب أن يقرأ.
تأثر قلبه بالقرآن، واهتز وجدانه.
فذهب إلى دار الأرقم، وهناك نطق الشهادتين.
كانت هذه لحظة إسلام عمر بن الخطاب المؤثرة التي قلبت موازين مكة.
دخل عمر الإسلام بقوة. لم يُخفِ إيمانه كما فعل غيره، بل أعلن إسلامه علنًا، وطلب من النبي ﷺ أن يُصلي المسلمون جهارًا.
قال عبد الله بن مسعود: "ما كنا نقدر أن نُصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر".
قصة تحول عمر من عدو إلى مؤمن جعلت الكفار يشعرون بالخوف، والمسلمين يشعرون بالعزّة.
كيف غيّر الإسلام شخصية عمر؟
بعد أن كان شديدًا على المسلمين، صار حاميهم.
أصبح حنونًا على الفقراء، وعونًا للضعفاء، وأشدّ بأسًا في الحق.
كان لا يسكت عن الظلم، ولا يتردد في قول الصدق، حتى مع النبي ﷺ، لكنه كان دومًا يتراجع إذا تبيّن له الوحي.
مواقفه
1. في غزوة بدر: كان عمر من القادة الذين وقفوا بجانب النبي، وشجّع المسلمين على الثبات، وكان أول من أشار بقتل أسرى بدر من قريش، فقال النبي ﷺ:
"إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".
2. في غزوة أحد: ثبت مع النبي ﷺ وقت الهزيمة والاضطراب، وكان من القلائل الذين لم يفروا.
3. عند صلح الحديبية: اعترض في البداية على بنود الصلح، لحرصه على عزة المسلمين، وقال للنبي ﷺ: "ألست نبي الله؟" فأجابه النبي مطمئنًا، فرضي عمر وسكن قلبه.
4. في تحريم الخمر: كان عمر كثير الدعاء بأن يُنزّل الله حكمًا واضحًا فيها، فنزل قوله تعالى:
"فاجتنبوه لعلكم تفلحون"
فقال النبي ﷺ:
"قد أنزل الله فيها بيانًا، ولو دعا عمر على جبل لأزيل".
5. في حادثة الإفك: دافع عن عائشة رضي الله عنها، وانتظر الوحي بثقة، حتى أنزل الله براءتها.
6. في استئذان الدخول: جاء عمر والنبي جالس، فاستأذن ثلاثًا ولم يُؤذن له، فرجع.
قال النبي: "كنا نُعلَّم أن الاستئذان ثلاث، فإن لم يُؤذن لك فارجع"، فوافق فعله الوحي.
ماذا فعل عند وفاة النبى
وحين توفي النبي ﷺ، لم يصدق عمر، وقال غاضبًا: "من قال إن محمدًا مات، قطعت عنقه!"
فوقف أبو بكر وقال: "من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت".
حينها جلس عمر على الأرض يبكي، مدركًا أن الرحلة بدأت.
وهنا دور عمر أثناء وفاة النبي يظهر بصدق الإيمان وقوة القلب بعد الصدمة.
خلافته
تولى عمر الخلافة بعد أبي بكر، فكان مثالًا للعدل.
عدالة عمر بن الخطاب في الخلافة أصبحت يضرب بها المثل في كتب التاريخ.
كان يمشي ليلًا يتفقد الفقراء، يطعم الجائع، ويحمل الحطب بيده.
وكان يقول: "لو أن بغلة عثرت في العراق، لسألني الله عنها: لمَ لم تمهد لها الطريق يا عمر؟"
قال عنه أحدهم: "حكمت فعدلت، فأمنت، فنمت يا عمر".
أنشأ عمر الدواوين، ونظّم بيت المال، وفتح بلادًا واسعة، لكنه بقي زاهدًا في الدنيا، عادلًا في الحكم، قويًا في الحق، خاشعًا لله.
وفاته
مات عمر شهيدًا وهو يصلي، لكنه ترك سيرة من النور والعدل، لا تزال تُروى إلى اليوم، تُلهم كل من يبحث عن الحق والقيادة الصادقة.
الخلاصة
قصة عمر تعلمنا أن القلب مهما كان قاسيًا، فإن لله فيه مدخل، وأن من كان خصمًا للدين قد يكون فيما بعد من أعمدته.