
لماذا يعتبر الرضا بالقضاء سر السعادة؟
لماذا يعتبر الرضا بالقضاء سر السعادة؟
مقدمة
السعادة مطلب عظيم ينشده كل إنسان، وتختلف الطرق التي يسلكها الناس للوصول إليها. لكن الإسلام علّمنا أن السعادة الحقيقية لا تكمن في كثرة المال ولا في متاع الدنيا الزائل، بل في الرضا بالقضاء والقدر، الذي يورث القلب راحة وطمأنينة، ويجعله يعيش مطمئنًا مهما تبدلت الأحوال.
الإيمان بالقضاء والقدر أساس الطمأنينة
الإيمان بالقدر خيره وشره ركن من أركان الإيمان الستة، قال تعالى:

﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
وقال النبي ﷺ في حديث جبريل:
«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره» (رواه مسلم).
فالمؤمن إذا علم أن كل ما يجري في الكون بعلم الله وحكمته، عاش راضيًا مطمئنًا.
الرضا في القرآن الكريم
القرآن الكريم مليء بالآيات التي تؤكد أن ما يصيب العبد إنما هو بقدر الله:
قال تعالى: ﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة: 51].
وقال سبحانه: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحديد: 22].
وجاء الوعد الرباني في قوله: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ [الروم: 60].
هذه الآيات تبين أن الرضا بالقضاء يعين على الصبر، ويفتح باب السكينة في القلب.
أحاديث نبوية في فضل الرضا
النبي ﷺ بيّن أن الرضا يورث السعادة فقال:
«عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير…» (رواه مسلم).
وقال ﷺ:
«ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا» (رواه مسلم).
كما قال ﷺ:
«ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس» (رواه الترمذي).
فهذه الأحاديث تظهر أن الغنى الحقيقي ليس في كثرة المال، بل في قلب راضٍ مطمئن بما قسمه الله.

أقوال العلماء في الرضا بالقضاء
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "الرضا باب الله الأعظم، وجنة الدنيا، وبستان العارفين".
وقال الإمام الحسن البصري: "من رضي بما قسم الله له، وسّع الله قلبه وبارك له في رزقه".
وقال ابن تيمية رحمه الله: "الرضا بالقضاء يُخرج العبد من هموم الدنيا وغمومها، ويجعله يعيش في طمأنينة دائمة".
الرضا لا ينافي العمل والأخذ بالأسباب
قد يظن البعض أن الرضا يعني ترك العمل أو الاستسلام للظروف، وهذا خطأ. فالعبد مطالب بالسعي والاجتهاد، ثم يرضى بما كتبه الله بعد بذل جهده. قال تعالى:
﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ [آل عمران: 159].
فالعمل واجب، والتوكل والرضا عبادة قلبية تزيد المؤمن قوة وثباتًا.
نماذج من الرضا في حياة السلف
الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: "كل شيء بقضاء الله، حتى العجز والكيس".
وسُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الإيمان فقال: "هو الصبر والرضا بالقضاء".
وكان سعيد بن المسيب رحمه الله إذا أصيب بمصيبة قال: "رضيت بما قسم الله لي، فله الحمد على ما أخذ وأعطى".
الرضا سر السعادة القلبية
الرضا بالقضاء يحرر الإنسان من الحسد والحقد، ويجعله يرى أن كل ما يحدث له خير، سواء كان نعمة تستوجب الشكر، أو بلاءً يستوجب الصبر. ومن رضي عاش سعيدًا مطمئنًا، ومن سخط عاش في ضيق وحزن.
خاتمة
الرضا بالقضاء والقدر ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو عبادة قلبية عظيمة تُعطي المؤمن طمأنينة وسعادة لا يعرفها إلا من ذاقها. ومن أيقن أن اختيار الله له خير من اختياره لنفسه، عاش في راحة وسكينة مهما تغيرت الأحوال.