كيف تتعامل مع الابن العصبي وفق الهدي الإسلامي؟ منهج القرآن والسنة في تهذيب الغضب
يُعدُّ الغضب من أكثر المشاعر التي تؤثر على سلوك الإنسان، وخاصة في مرحلة الطفولة والمراهقة، حيث تكون الانفعالات في أوجها. ومن مسؤولية الوالدين في التربية الإسلامية أن يساعدا أبناءهما على تهذيب هذا الشعور وضبطه، تطبيقًا لقوله تعالى:
﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ﴾ [آل عمران: 134]، فهذه الآية ترسم طريقًا تربويًا عظيمًا يعلّم المسلم كيفية إدارة الغضب لا كبحه فقط، بل تحويله إلى طاقة إيجابية.
أولًا: فهم أسباب العصبية عند الأبناء
قبل البدء في العلاج، يجب على المربي أن يفهم جذور المشكلة، فقد تكون العصبية ناتجة عن:
ضغوط مدرسية أو اجتماعية.
شعور بعدم الاهتمام أو فقدان الأمان.
تقليد لسلوك أحد الوالدين.
مشاكل صحية أو اضطرابات نوم.
ويعلّمنا النبي ﷺ أهمية الرفق والفهم قبل العقاب، ففي الحديث: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله». وهذا أصل تربوي مهم: لا يجوز التعامل مع الابن العصبي بالعصبية.
ثانيًا: تعليم الابن ضبط النفس بوسائل القرآن والسنة
إن الإسلام وضع قواعد واضحة للتحكم في الغضب، ويمكن للوالدين تعليمها للابن بأسلوب مبسط:
1. تدريب الابن على الاستعاذة بالله عند الغضب
قال ﷺ: «إذا غضب أحدكم فليقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
اجعل الابن يحفظ هذا الذكر، وعلّمه قوله عند بداية الانفعال.
2. تغيير الوضعية عند الغضب
من السنن العملية النافعة قول النبي ﷺ: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع».
هذه الطريقة تحرّك الجسد فيتغير الشعور.
3. الوضوء لإطفاء حرارة الغضب
قال ﷺ: «إن الغضب من الشيطان… فإذا غضب أحدكم فليتوضأ».
علّم الابن أن الوضوء "زر تبريد" نفسي وروحي.

ثالثًا: دور الوالدين في تهدئة الابن العصبي
1. الهدوء أثناء نوبة الغضب
من أخطر الأخطاء مقابلة عصبية الطفل بالصراخ أو التهديد. يقول ابن القيم رحمه الله: "النفوس تكتسب من أخلاق المخالطين"، فإذا رأى الطفل والديه هادئين تقلد بهما.
2. احتضان الطفل عند غضبه
الاحتواء باللمس يصنع تغييرًا واضحًا، فالرحمة أصل أصيل في التربية الإسلامية. وقد وصف الله نبيه بقوله: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
3. الاستماع للابن وعدم التقليل من مشاعره
أحيانًا يكون الابن غاضبًا لأنه لم يجد من يفهمه. استمع له دون مقاطعة، وعلّمه التعبير بالكلام بدل الصراخ.
4. وضع قواعد واضحة للسلوك
الأبناء يحتاجون ضوابط ثابتة، مثل:
عدم رفع الصوت على الوالدين.
عدم ضرب الإخوة.
التعبير عن الغضب بالكلام.
لكن يجب وضعها بلطف، وبأسلوب تشاركي.
رابعًا: تنمية السلوك الهادئ داخل البيت
1. تعزيز السلوك الجيد
عندما ينجح الابن في التحكم بغضبه، امدحه. اشكره. أعطه شعورًا بالفخر. فقد قال ﷺ: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله».
2. بناء روتين يومي يخفف التوتر
من أهم الأسباب المؤدية للعصبية:
قلة النوم – كثرة الأجهزة – عدم وجود نشاط حركي.
أعد تنظيم يومه:
نوم كافٍ.
رياضة يومية.
تقليل الشاشات.
جلسة قرآن يومية تبعث الطمأنينة.
3. تخصيص وقت للحوار الأسري
الحوار يخفف الضغط، ويقوي العلاقة بين الأب والابن. وكان النبي ﷺ يُكثر سؤال أصحابه ويستمع لهم، وهذه قدوة عظيمة للتواصل.
خامسًا: ما لا يجب على الوالدين فعله مع الابن العصبي
1. عدم السخرية أو الإهانة
الإهانة تزيد من العناد والغضب، وتزرع كرهًا داخليًا. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾.
2. تجنب الضرب
الضرب يولد العنف، ويكسر الثقة. والتربية الإسلامية تقوم على الرحمة قبل الشدة.
3. عدم المقارنة بين الأبناء
من أكثر أسباب الغضب والإحباط لدى الأطفال. قال عمر بن عبد العزيز: "ليكن أول إصلاحك لولدك إصلاح نفسك".
سادسًا: خطوات عملية سريعة لتهدئة الابن العصبي
التحدث بنبرة صوت منخفضة.
إعطاؤه بعض الوقت ليهدأ.
تدريبه على التنفس العميق.
صرف الانتباه إلى نشاط آخر.
تقديم نموذج هادئ أمامه.
خاتمة
الإسلام منهج تربوي شامل، علمنا كيف نهذب الغضب بالرفق والرحمة. التعامل مع الابن العصبي ليس صراعًا، بل هو رحلة تربية، تحتاج صبرًا، واستعانة بالله، وتطبيقًا عمليًا لقول النبي ﷺ: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب». وكل ابن يمكن تهذيب غضبه بالحب، والقدوة، والتربية القرآنية.