عناية الإسلام بالبيئة

عناية الإسلام بالبيئة

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

حماية البيئة في ضوء القرآن والسنة: رؤية إسلامية متجددة

تواجه البشرية اليوم تحديات بيئية غير مسبوقة، من تغيّر مناخي إلى تلوثٍ متصاعد يهدّد الهواء والماء والتربة. ورغم أن هذه المشكلات تبدو حديثة في ظاهرها، إلا أن جذورها مرتبطة بغياب الوعي الإنساني، وسوء استغلال موارد الأرض. ومن المدهش أن الإسلام سبق قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا إلى وضع منظومة متكاملة ترشد الإنسان إلى كيفية التعامل مع البيئة، باعتبارها أمانة ومسؤولية.

1- البيئة: نعمة وأمانة:

يُعلّمنا القرآن الكريم أن الكون خُلق بتوازن دقيق، قال تعالى: "وخلق كل شيء فقدّره تقديرًا" (الفرقان: 2). هذه الآية تؤكد أن كل عنصر في البيئة – من ماء وهواء، إلى نبات وحيوان – وُضع لحكمة وغاية، وليس عبثًا. والإنسان، باعتباره خليفة الله في الأرض، مُطالَب بالحفاظ على هذا التوازن لا بإفساده.

وقد نبّه النبي ﷺ إلى قيمة البيئة حتى في مواقف بسيطة، كقوله عن جبل أُحد: "هذا جبل يحبنا ونحبه"، وهو تعبير بليغ عن علاقة المودّة بين الإنسان ومكوّنات الطبيعة.

2- بين التسخير والاستخلاف:

من أبرز ما يميز الرؤية الإسلامية للبيئة أنها تقوم على ثنائية التسخير والاستخلاف.

التسخير: حيث سخّر الله للإنسان ما في السماوات والأرض ليستفيد منه: "وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه" (الجاثية: 13).

الاستخلاف: فالإنسان ليس مالكًا مطلقًا لهذه الموارد، بل مستخلف عليها، وعليه واجب إدارتها بحكمة: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" (هود: 61).

 

هذه الثنائية تجعل العلاقة بالبيئة علاقة مسؤولية وأمانة، لا علاقة استغلال جشع أو استهلاك عشوائي.

3- محاربة الفساد والإسراف:

يربط القرآن بين الفساد في الأرض وبين أعمال البشر: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" (الروم: 41). والتاريخ يشهد أن المجتمعات التي أسرفت في استغلال مواردها دون ضابط، دفعت ثمن ذلك جوعًا وخوفًا واضطرابًا بيئيًا.

ولهذا جاءت توجيهات الإسلام صارمة ضد الإسراف: "وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين" (الأعراف: 31). فالاعتدال في استهلاك الماء، الطاقة، والغذاء ليس خيارًا اقتصاديًا فحسب، بل هو عبادة وطاعة لله.

4- رعاية النبات والحيوان:

من اللافت في النصوص الشرعية أن الاهتمام بالبيئة لا يقتصر على الجماد، بل يشمل الكائنات الحية. فقد أمر الإسلام بالإحسان إلى الحيوان حتى عند ذبحه، ونهى عن قطع الشجر أو حرق الزرع بغير حق. بل إن القرآن ذكر أن الحيوانات "أمم أمثالكم" (الأنعام: 38)، أي أنها مجتمعات لها حقها في الوجود.

5- النظافة والطهارة: وقاية بيئية:

أولى الإسلام عناية كبيرة بالنظافة، فجعلها جزءًا من الإيمان: "إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين" (البقرة: 222). وتوجيهات الوضوء والغُسل ليست عبادات روحية فحسب، بل هي أيضًا ثقافة وقائية تحافظ على الصحة العامة والنظافة البيئية.

6-image about عناية الإسلام بالبيئةنحو وعي بيئي إسلامي:

الواقع اليوم يفرض علينا العودة إلى هذه الرؤية الإسلامية الأصيلة. فالمشكلات البيئية المعاصرة ليست مجرد قضايا علمية أو تقنية، بل هي انعكاس لخلل في القيم والسلوك. ومن هنا، فإن تعزيز الوعي البيئي الإسلامي يشكل جزءًا من الحل، من خلال غرس معاني الأمانة والاستخلاف، وتعليم الأجيال أن حماية البيئة عبادة ومسؤولية.

 

---

الخلاصة

البيئة في التصور الإسلامي ليست مجرد فضاء نعيش فيه، بل هي نعمة إلهية وأمانة شرعية. الحفاظ عليها عبادة، والإفساد فيها معصية. وإذا كان العالم اليوم يبحث عن حلول لأزماته البيئية، فإن في القرآن والسنة إطارًا قيميا وأخلاقيا يمكن أن يوجّه البشرية نحو التوازن بين التنمية وحماية الحياة.

 

 

 

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

2

متابعهم

1

متابعهم

2

مقالات مشابة
-