" لماذا لا تصلى "

" لماذا لا تصلى "

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات


لماذا لا تصلى وانت مسلم: 

الصلاة هي عمود الدين، وهي أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله. هي الصلة بين العبد وربه، وهي نداء يومي متكرر يحمل في طياته معنى العبودية والخضوع والخشوع، ومع ذلك ترى كثيرًا من الناس قد تهاونوا في أدائها أو تركوها بالكلية، وكأنهم استغنوا عن رحمة الله وعونه. والسؤال الذي يجب أن يُطرح بإخلاص هو: لماذا لا تصلي؟

هل تعرف من تخاطبك الصلاة إليه؟

أيها الإنسان، هل فكرت يومًا فيمن تدعوه خمس مرات في اليوم؟ إنه الله جل جلاله، الذي خلقك من عدم، وسوّاك فأحسن تسويتك، ورزقك وأطعمك وألبسك، وأعطاك السمع والبصر والعقل، ثم دعاك إلى لقائه خمس مرات في اليوم، لا ليُعذّبك أو يُثقل عليك، بل ليطهّر قلبك ويُريح نفسك ويغسل ذنوبك. فهل يُعقل بعد هذا أن تترك الصلاة، وتعرض عن لقاء من خلقك وأكرمك؟

هل ترك الصلاة يُسعدك؟

البعض يظن أن ترك الصلاة يجعله حرًّا، وأن التزامه بها يُقيده. ولكن الحقيقة أن الذي يترك الصلاة يعيش قيدًا من نوع آخر، قيدًا من الهمّ والضيق والتشتت. فقد قال الله تعالى:

> "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكًا ونحشره يوم القيامة أعمى" [طه: 124].

 

الضنك هنا ليس فقط فقر المال، بل ضيق القلب وكدر النفس، وإن عاش صاحبها في النعيم المادي. كم من إنسان يملك كل شيء، لكنه يشعر بالفراغ، ويبحث عن راحة لا يجدها! ولو سجد لله سجدة صادقة لوجد تلك الراحة التي يبحث عنها بين جدران قلبه.

هل تظن أن الله بحاجة إلى صلاتك؟

اعلم أن الله غني عنك وعن صلاتك، لا تنفعه طاعتك ولا تضره معصيتك، ولكنك أنت الذي تحتاج إلى الصلاة، لتبقى قلبك حيًا، وروحك نقية. الصلاة غذاء للروح كما أن الطعام غذاء للجسد، فكيف يعيش قلب بلا صلاة؟! القلب الذي لا يصلي يموت ببطء، حتى يصبح صلبًا قاسيًا لا يخشع عند سماع القرآن، ولا يدمع عند ذكر الله.

هل تؤجل الصلاة حتى تجد الوقت المناسب؟

كثيرون يقولون: "سأصلي عندما أستقر"، "سأصلي عندما أتزوج"، "سأصلي عندما أتوب حقًا"، وكأنهم ضامنون لحياتهم إلى الغد! والموت لا ينتظر أحدًا، كم من شخص قال "غدًا أصلي" فلم يأته الغد! فلتعلم أن الشيطان لا يأمرك بالترك المباشر، بل بالتسويف حتى يفوت الأوان.

> قال الحسن البصري رحمه الله: "إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غدك من أجلك، فكن في غد كما كنت في يومك، وإن لم يكن غدك من أجلك، لم تندم على ما فرّطت في يومك".

 

هل تركت الصلاة لأنك ترى نفسك مذنبًا؟

هناك من يترك الصلاة بدعوى أنه "غير صالح" أو "كثير الذنوب"، ويقول: "كيف أصلي وأنا غارق في المعاصي؟"
وهذا من مكر الشيطان، لأنه يريدك أن تجمع بين الذنب والحرمان من التوبة. الصلاة لا تحتاج إلى أن تكون ملاكًا، بل هي طريقك لتُصبح طاهرًا من ذنوبك. قال رسول الله ﷺ:

> "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟" قالوا: لا يا رسول الله، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا" (رواه البخاري ومسلم).

 

فصلاتك هي غسل لقلبك من أدران الذنوب، فكيف تحرم نفسك من هذا التطهير اليومي؟

هل تعرف عاقبة ترك الصلاة؟

ترك الصلاة جريمة عظيمة، وخطرها لا يُدركه إلا من قرأ نصوص الوعيد فيها. قال رسول الله ﷺ:

> "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر" (رواه الترمذي والنسائي).

 

وقال تعالى:

> "فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيًّا" [مريم: 59].

 

فسّر العلماء "الغيّ" بأنه وادٍ في جهنم، شديد الحرارة، بعيد قعره. فهل ترضى أن يكون مكانك هناك لأنك لم ترفع يديك لله خمس مرات في اليوم؟

هل جربت لذة الصلاة؟

من ذاق عرف. من جرب لحظة الخشوع بين يدي الله، والدمعة التي تسقط من عينه وهو يقول "الله أكبر"، لا يمكن أن يترك الصلاة بعد ذلك. الصلاة ليست مجرد حركات، بل لقاء بين العبد وربه، نجوى صادقة، راحة للقلب المتعب. قال رسول الله ﷺ:

> "وجُعلت قرة عيني في الصلاة" (رواه النسائي).

 

كان ﷺ يجد في الصلاة سعادته وراحته، وكان إذا حزبه أمر فزع إليها. جرب أن تصلي ركعتين في هدوء الليل، وناجِ ربك بصدق، ستشعر أنك ولدت من جديد.

هل الصلاة صعبة حقًا؟

يظن البعض أن الصلاة عبء، لكنها في الحقيقة راحة. من اعتادها أحبها، ومن تركها ثقلت عليه. قال الله تعالى:

> "واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين" [البقرة: 45].

 

الكبيرة هنا ليست بمعنى الصعوبة البدنية، بل بمعنى ثقلها على من لم يذق طعم الإيمان. فإذا أقبلت على الله بقلبك، ستجد الصلاة خفيفة كنسمة هواء، وستشتاق إليها كما يشتاق العطشان إلى الماء.

كيف تعود إلى الصلاة؟

الطريق بسيط جدًا:

1. اعزم بقلبك على التوبة الصادقة.


2. ابدأ فورًا، لا تؤجل، صلّ ركعتين الآن مهما كنت.


3. استعن بالله، وقل: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".


4. احط نفسك بالصالحين، فالصحبة الصالحة تُعينك على الثبات.


5. اقرأ عن فضل الصلاة، لتزداد رغبة وشوقًا إليها.

 

وتذكر أن الله يفرح بتوبتك، فقد قال ﷺ:

> "لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة" (رواه البخاري ومسلم).

 

خاتمة

يا من هجرت الصلاة، عُد إلى ربك قبل أن يُغلق الباب.
عُد قبل أن يُقال عنك: “فلان مات ولم يُصلّ”.
تذكر أن السجود لله شرف لا يناله إلا من أحبه الله.
فلا تحرم نفسك من هذا الشرف، ولا تجعل الدنيا تسرقك من لقاء ربك.
ابدأ من الآن، وقل من قلبك:

> "ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء" [إبراهيم: 40].

 

 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

13

متابعهم

37

متابعهم

107

مقالات مشابة
-