
من اليتيم إلى نور البشرية: قصة سيدنا محمد ﷺ من النشأة حتى بداية الدعوة
قصة النبي محمد ﷺ ليست مجرد سيرة تُروى، بل هي نور يهدي القلوب، ودليل على أن الله يصطفي من يشاء ليحمل رسالته. من لحظة ميلاده في مكة، وحتى نزول الوحي في غار حراء، تتجلى رحمة الله وحكمته في كل مرحلة من حياته. تعال نتعرّف سويًا على قصة النور الذي غيّر وجه التاريخ.
1. الميلاد المبارك
ولد النبي محمد ﷺ يوم الاثنين في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، عام الفيل — العام الذي حاول فيه أبرهة هدم الكعبة، فأهلكه الله.
وُلد ﷺ في مكة المكرمة في بيتٍ شريف من بيوت قريش، من بني هاشم، أبوه عبد الله بن عبد المطلب، وأمه آمنة بنت وهب.
لكن قبل أن يرى النور، توفي أبوه، فكان يتيمًا من قبل مولده، ليتربى منذ صغره على الاعتماد على الله وحده.
قال الله تعالى:
"أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى"
(الضحى: 6).
فكانت رحمته باليتامى نابعة من تجربة عاشها بنفسه.
2. سنوات الطفولة والرعاية الإلهية
أرضعته حليمة السعدية، وشهدت بركة عجيبة بمجرد قدومه؛ فقد امتلأت مرابعهم بالخيرات، وعمّ الرزق بيتها.
ثم عاد إلى أمه آمنة، لكنها توفيت وهو في السادسة من عمره في طريق عودتها من زيارة قبر والده.
تولى تربيته جده عبد المطلب الذي أحبه حبًا شديدًا، وكان يُجلسه بجانبه عند الكعبة رغم صغر سنه. وبعد وفاة جده، كفله عمه أبو طالب، الذي أحسن إليه وظل يحميه حتى آخر حياته.
3. شبابه وأمانته
كبر محمد ﷺ فاشتهر في مكة بلقب "الصادق الأمين"، لم يعرف عنه كذب ولا خيانة.
عمل في التجارة، وكان مضرب المثل في الأمانة والصدق.
حين عمل في مال السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، أعجبت بأمانته وخلقه، فتزوجته وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وكانت له الزوجة الصالحة، والسند الكريم في كل مراحل الدعوة لاحقًا.
قال تعالى:
"وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ"
(القلم: 4).
فخلقه كان شهادة نبوته قبل أن يُبعث.4. قبل النبوة: التأمل والانعزال عن الجاهلية
في الثلاثينيات من عمره، كانت مكة تغرق في عبادة الأصنام والظلم الاجتماعي، بينما كان ﷺ ينفر من الشرك والفساد، ويحب الخلوة والتأمل.
كان يعتكف في غار حراء بعيدًا عن صخب مكة، يتفكّر في خلق السماوات والأرض، ويبحث عن الحق.
تقول السيدة عائشة رضي الله عنها:
"أول ما بُدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح."
(متفق عليه)
هذه الرؤى كانت تهيئة ربانية لقلب النبي ليستقبل النور الإلهي العظيم.

5. لحظة نزول الوحي
في إحدى ليالي رمضان، وهو في غار حراء، جاءه جبريل عليه السلام وقال له:
"اقْرَأْ"
قال النبي ﷺ: "ما أنا بقارئ".
فقال له جبريل ثانية وثالثة حتى قال:
"اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ"
(العلق: 1-2).
كانت تلك اللحظة بداية الرسالة الخالدة، وبداية خروج البشرية من ظلام الجهل إلى نور الإيمان.
عاد النبي ﷺ إلى بيته فزعًا وقال لخديجة: "زملوني زملوني!"، فطمأنته وقالت كلمتها الخالدة:
"كلا والله لا يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق."
كانت أول من آمن به، فكانت بداية الدعوة من بيت النبوة.
6. الدعوة السرية في مكة
بدأ النبي ﷺ يدعو إلى الإسلام سرًا، حفاظًا على أصحابه من بطش قريش، واستمر ذلك ثلاث سنوات.
آمن به في البداية المقربون: خديجة، وأبو بكر، وعليّ، وزيد بن حارثة رضي الله عنهم.
كانوا يجتمعون في دار الأرقم بن أبي الأرقم يتعلمون القرآن ويصلّون سرًا.
ورغم قلة العدد، كانت عزيمتهم كجبل أحد، فكانوا نواة الأمة التي غيّرت العالم.
7. بداية الإعلان بالدعوة
بعد ثلاث سنوات، نزل قول الله تعالى:
"فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ"
(الحجر: 94).
فخرج ﷺ إلى قومه على جبل الصفا، ودعاهم إلى التوحيد، وبدأت مرحلة جديدة من الصبر والثبات.
ومنذ تلك اللحظة، بدأت رحلة النور التي ستنقذ البشرية من ظلمات الجاهلية إلى هداية الإسلام.
الخاتمة:
من نشأته يتيمًا، إلى اصطفائه نبيًا، كانت حياة محمد ﷺ رحلة إعدادٍ ربانيٍّ فريد، ليحمل رسالة الرحمة إلى العالمين.
قال تعالى:
"وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"
(الأنبياء: 107).
إنها ليست قصة عادية، بل قصة أعظم إنسان عاش على وجه الأرض، صلى الله عليه وسلم.وان شاء الله نكمل في مقالات قادمة