
التوكل على الله… سر الطمأنينة والقوة في حياة المسلم.
وما لنا ألا نتوكل على الله و قد هدانا سبلنا .
التوكل على الله من أعظم مقامات الإيمان، وهو دليل على صدق اليقين بالله والثقة في وعده. فالمؤمن الحق يعلم أن الأسباب لا تنفع إلا بإذن الله، وأن ما قدّره الله نافذ لا محالة. وقد أمرنا الله بالتوكل في كتابه فقال: "وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" [المائدة: 23]. والتوكل لا يعني ترك العمل أو الكسل، بل هو الجمع بين الأخذ بالأسباب مع الاعتماد الكامل على الله تعالى. ومن هنا كان التوكل عبادة قلبية عظيمة تريح النفس وتمنحها الطمأنينة.
عناصر المقالة.

1. مفهوم التوكل على الله.
2. الفرق بين التوكل والتواكل.
3. أهمية التوكل في حياة المسلم.
4. نماذج من توكل الأنبياء والصالحين.
5. آثار التوكل على الفرد والمجتمع.
مفهوم التوكل على الله.
التوكل هو اعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة. وهو يجمع بين العمل باليد واليقين بالقلب، فلا يعتمد المسلم على جهده وحده، ولا يهمل العمل ويكتفي بالدعاء فقط، بل يسعى ويعمل ثم يفوّض أمره إلى الله.
الفرق بين التوكل والتواكل.
التوكل عبادة قائمة على السعي مع الاعتماد على الله، أما التواكل فهو ترك العمل بحجة أن الله هو الرزاق، وهذا خطأ ينافي الإيمان. فالمزارع مثلًا لا يحصد زرعًا إلا إذا بذر البذور، مع يقينه أن الله هو الذي ينبتها.
أهمية التوكل في حياة المسلم.
التوكل يزرع الطمأنينة في القلب ويمنح الإنسان القوة في مواجهة الشدائد. فهو سبب للراحة النفسية والبعد عن القلق والخوف، لأن المؤمن يعلم أن أمره كله بيد الله، فلا يخشى المستقبل ولا يندم على الماضي.
نماذج من توكل الأنبياء والصالحين.
قصص الأنبياء مليئة بمواقف التوكل على الله، وهي قدوة للمؤمنين:
سيدنا إبراهيم عليه السلام: لما أُلقي في النار لم يجزع ولم يهرب، بل قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، فجعل الله النار بردًا وسلامًا عليه.
سيدنا موسى عليه السلام: حين تبعه فرعون وجنوده حتى البحر، قال قومه: "إنا لمدركون"، فردّ عليهم موسى بيقين عظيم: "كلا إن معي ربي سيهدين" [الشعراء: 62]، ففلق الله له البحر ونجّاه ومن معه.
سيدنا محمد ﷺ: في الهجرة اختبأ مع أبي بكر في الغار، حتى قال له: "لا تحزن إن الله معنا" [التوبة: 40]، فحماه الله وأعماه عن أعين المشركين.
السيدة مريم عليها السلام: عندما جاءها المخاض في أصعب لحظاتها، أمرها الله أن تهز جذع النخلة فتساقط عليها الرطب، دلالة على أن التوكل لا ينفي الأخذ بالأسباب.
ومن الصالحين أيضًا، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير؛ تغدو خماصًا وتروح بطانًا"، أي أن الطيور تسعى في طلب الرزق مع اعتمادها على الله.
آثار التوكل على الفرد والمجتمع.
على المستوى الفردي، التوكل يمنح المؤمن ثقة وراحة وسكينة. وعلى مستوى المجتمع، ينشئ أمة قوية عاملة، لا تعرف الكسل، بل تسعى وتعمل وتؤدي واجبها، وهي على يقين أن النتائج بيد الله.
نماذج من آيات التوكل في القرآن الكريم.
وردت في كتاب الله آيات كثيرة تدعو المؤمنين إلى التوكل على الله والاعتماد عليه مع الأخذ بالأسباب، ومنها:
قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159].
وقال سبحانه: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: 3].
وقال جل وعلا: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾ [الفرقان: 58].
وقال عز وجل: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾ [الأحزاب: 3].
وقال تعالى: ﴿فَقَالَ إِنِّي أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ... وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت: 59].
وقال سبحانه: ﴿قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الشعراء: 62]، في موقف توكل موسى عليه السلام عند البحر.
فهذه الآيات الكريمة تؤكد أن التوكل على الله هو سبيل النجاة والعون والطمأنينة، وأن الله يكفي عباده إذا صدقوا في اعتمادهم عليه.
الخاتمة.
التوكل على الله سرّ سعادة المؤمن وسبب فلاحه في الدنيا والآخرة. فهو يعلّمنا التوازن بين الأخذ بالأسباب والاعتماد على الله، ويجعل حياتنا أكثر راحة واطمئنانًا. فلنجعل التوكل شعارنا في كل أمر، امتثالًا لقول الله تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" [الطلاق: 3].