" قصه سيدنا نوح عليه السلام والفلك"

" قصه سيدنا نوح عليه السلام والفلك"

تقييم 5 من 5.
2 المراجعات
image about

 


قصة سيدنا نوح عليه السلام والفلك

تُعد قصة سيدنا نوح عليه السلام واحدة من أعظم القصص القرآنية التي تحمل بين طياتها العبر والدروس العظيمة للبشرية جمعاء. فقد أرسل الله تعالى نوحًا عليه السلام إلى قومه بعد أن انتشر بينهم الشرك بالله وعبادة الأصنام، وضلوا عن طريق الحق. فكان نوح عليه السلام رسولًا صبورًا دعا قومه بكل الوسائل الممكنة، ليلًا ونهارًا، سرًا وجهارًا، إلى عبادة الله وحده وترك ما يعبدون من دونه.

لقد عاش نوح مع قومه قرونًا طويلة، يدعوهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. قال تعالى: "فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عامًا فأخذهم الطوفان وهم ظالمون" (العنكبوت: 14). ورغم هذه المدة الطويلة من الدعوة، لم يؤمن معه إلا القليل، بينما أصر أغلب قومه على الكفر والعناد، حتى قالوا: "ما نراك إلا بشرًا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي" (هود: 27).

ورغم التكذيب والسخرية، ظل نوح عليه السلام ثابتًا على دعوته، لا ييأس ولا يستسلم. وكان يذكّر قومه بنعم الله عليهم، ويدعوهم إلى الاستغفار والتوبة، مبينًا لهم أن الاستغفار يجلب الرزق والخير والبركة، لقوله تعالى على لسانه: "فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا، يرسل السماء عليكم مدرارا، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا" (نوح: 10-12).

لكن القلوب القاسية لم تلن، وزادوا في ظلمهم وتكذيبهم، حتى أوحى الله إلى نبيه نوح أن قومه لن يؤمنوا إلا من قد آمن، وأمره بصنع الفلك العظيم لينجو به ومن آمن معه من الطوفان الموعود. قال تعالى: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" (هود: 37).

بدأ نوح عليه السلام يصنع السفينة في صحراء قاحلة بعيدة عن البحر، فكان قومه يمرون عليه ويسخرون منه ويستهزئون به قائلين: كيف تبني سفينة في أرض لا ماء فيها؟ لكنه كان يرد عليهم بثبات ويقول: "إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون" (هود: 38).

وحين اكتملت الفلك بإذن الله، وجاء أمر الله بانطلاق الطوفان، تفجرت الأرض عيونًا، وهطلت السماء أمطارًا غزيرة، حتى اجتمع الماء من كل مكان فغمر الأرض. قال تعالى: "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل" (هود: 40).

فدخل نوح ومن آمن معه إلى السفينة، وحمل فيها من كل زوجين اثنين من الحيوانات والطيور، لحفظ الحياة بعد الطوفان. بينما غُرق الكافرون الذين استكبروا وكذبوا، وكان من بينهم ابن نوح الذي رفض ركوب الفلك واختار الاعتصام بالجبل، فقال نوح: "يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين" فأجابه: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"، فرد نوح: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم"، فحال بينهما الموج فكان من المغرقين (هود: 42-43).

ظل الطوفان أيامًا وليالي حتى طهّر الله الأرض من الكفر والظلم، ثم قيل للأرض: "ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدًا للقوم الظالمين" (هود: 44). فاستقرت سفينة نوح على جبل الجودي في أرض الموصل، وكانت بداية حياة جديدة للمؤمنين، بعد أن أهلك الله الكافرين.

إن قصة سيدنا نوح عليه السلام تحمل معاني عظيمة ودروسًا جليلة، فهي تعلمنا الصبر على الدعوة والثبات على الحق مهما طال الزمن، وتبين لنا أن الاستغفار طريق للرحمة والرزق، وأن العاقبة دائمًا للمتقين، مهما كثر الباطل وانتشر الظلم. كما توضح أن النجاة الحقيقية لا تكون إلا بالإيمان بالله، وأن الكبر والغرور سبيل إلى الهلاك.

لقد خلّد القرآن الكريم قصة نوح لتبقى عبرة للأجيال، قال تعالى: "ولقد تركناها آية فهل من مدكر" (القمر: 15). فهي رسالة واضحة أن من سار على درب نوح وصبره وإيمانه سينجو برحمة الله، ومن أعرض وتكبر فمصيره الخسران.


 

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

7

متابعهم

25

متابعهم

83

مقالات مشابة
-