قصة: "ثمرة البر"

قصة: "ثمرة البر"

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

🌿 قصة: "ثمرة البر"

في إحدى القرى الصغيرة الهادئة، عاش رجل اسمه مصعب وزوجته خديجة. كانا من أهل الدين والصلاح، يكثران من ذكر الله، ويعلمان أن أمانة الأبناء أعظم أمانة بعد الإيمان. لم يكونا من أهل الغنى، لكنهما كانا أغنى الناس قلباً بحب الله وحب أبنائهما.

كان لهما ثلاثة أولاد: أحمد، ومريم، وسلمان. ومنذ نعومة أظفارهم، كان الوالدان يحتضنونهما بالمودة، ويربيانهم على تعاليم الإسلام. كان مصعب يردد على مسامعهم قول النبي ﷺ:
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"،
فيتعلمون أن الأبناء أمانة لا تضيع.

لم يكن البر في بيتهم شعاراً يرفع بالأقوال، بل كان عملاً يومياً يعيشه الأبناء من حب ورعاية وصبر.


✨ لمسة الأب

في ليالي الشتاء الباردة، كان مصعب يخرج من فراشه الدافئ ليتأكد أن أبناءه غارقون في دفء اللحاف، فيضع الغطاء على أقدام أحمد إن انزلق عنه، ويقترب من مريم ليعدل وسادتها، ويطمئن على سلمان الصغير. كان يهمس في دعائه:
"اللهم اجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، ووفّقنا لنكون آباءً صالحين كما أمرتنا".

وكان إذا مرض أحدهم، لا يهدأ قلبه حتى يطمئن. بل إنه في يوم مرضت مريم بحمّى شديدة، حملها على كتفه طوال الليل، يمشي بها ذهاباً وإياباً في فناء البيت لعلّ الهواء يخفف من حرارتها، وهو يردد آيات الشفاء.


🌸 قلب الأم

أما خديجة، فقد كانت مدرسة رحمة وعطف. كل يوم تعلّم أبناءها سورة من القرآن، وتشرح لهم قصص الأنبياء، وتغرس في قلوبهم حب الله والحياء. لم تكن تنهرهم إن أخطؤوا، بل كانت تصلح خطأهم بالرفق، تقول لهم:
"إن الله لطيف بعباده، فكونوا أنتم لطفاء مع الناس".

وذات يوم، عاد أحمد من المدرسة حزيناً لأنه تعرض للسخرية من أحد زملائه، فضمته أمه إلى صدرها، وربّتت على كتفه قائلة:
"يا بني، إن الله يرفع المتواضعين ويهدي الصابرين، فاصبر ولا ترد الإساءة بمثلها".
حينها مسح أحمد دموعه، وابتسم، وشعر أن حضن أمه جنة في الأرض.


🕌 التربية بالقدوة

لم يكتفِ الوالدان بالنصيحة، بل كانا قدوة حية. كان الأب يصلي الفجر في المسجد، ثم يأخذ أحمد معه ليتعلم حبّ الصلاة. وكانت الأم توقظ أبناءها على قيام الليل في بعض الليالي، تقول لهم:
"قوموا نغتنم ساعة يستجيب الله فيها الدعاء".

ومع مرور السنين، ترسخت في قلوب الأبناء قيم الرحمة والعدل، وعرفوا أن برّ الوالدين ليس أن يرفع الابن صوته على أبيه أو أمه، بل أن يبدأ البر من الوالدين نحو أبنائهم، كما أوصى النبي ﷺ حين قال:
"كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت".


🌱 ثمار البر

كبر الأبناء، وصار أحمد شاباً في الجامعة، ومريم طالبة في الثانوية، وسلمان على أعتاب المراهقة. ورغم مشاغلهم، بقيوا أوفياء لدروس أبيهم وأمهم.

كان أحمد إذا رأى والده متعباً من العمل، يركض ليحمل الأكياس عنه. ومريم لا تدع يوماً يمر إلا وقد ساعدت أمها في إعداد الطعام والاهتمام بالبيت. أما سلمان، فقد كان يحفظ دعاء والديه في كل صلاة.

وذات يوم، أصيب مصعب بوعكة صحية شديدة نقل بسببها إلى المستشفى. لم يتركه أبناؤه لحظة واحدة. أحمد كان يقرأ له القرآن، ومريم تمسح عرقه وتبتسم له لتخفف ألمه، وسلمان يقف يدعو الله باكياً:
"اللهم اشفِ أبي، فإنه لم يقصّر معنا يوماً".

حينها ابتسم مصعب رغم ألمه، وقال:
"الحمد لله الذي رزقني ذرية تبرني كما بررتها".


💡 العبرة

لقد علّم مصعب وخديجة أبناءهما أن البر طريق ذو اتجاهين: يبدأ من الوالدين إلى أبنائهم، فيزرعون الحب والرحمة، ثم ينمو في قلوب الأبناء فيردونه إحساناً وإجلالاً.

قال تعالى:
﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا﴾ [الإسراء:23].

فالإحسان لا يقتصر على الأبناء نحو آبائهم، بل هو واجب على الآباء أيضاً في رعاية فلذات أكبادهم، وإكرامهم بالعلم والرحمة والصبر.

وفي يوم من الأيام، كتبت مريم في دفترها:
"تعلمت من أبي وأمي أن البر ليس فقط أن نقول لهم: جزاكم الله خيراً، بل أن نكون امتداداً لرحمتهم في هذه الحياة، فنبرّهم كما برّونا، ونرحم أبناءنا كما رحمونا."


🕊️ الخاتمة

هكذا يا قارئ القصة، نعلم أن بر الوالدين لا يتحقق إلا إذا بدأ الوالدان بالبر بأبنائهم. فمن زرع الحب حصد الطاعة، ومن زرع القسوة حصد العقوق. إنها سنّة الله في الأرض.

فلنكن رحماء بأولادنا، كما نرجو أن يكونوا رحماء بنا إذا كبرنا، ولنتذكر أن أجمل ما يتركه الأب أو الأم بعد رحيلهما هو ابن صالح يدعو لهما، كما قال النبي ﷺ:
"إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له."

 

 

image about قصة:
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

28

متابعهم

14

متابعهم

9

مقالات مشابة
-