قصة: الأخ السند

قصة: الأخ السند

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

قصة: الأخ السند

في أحد الأحياء الهادئة، كانت تعيش أسرة بسيطة، مكوّنة من أب يعمل في التجارة، وأمّ صبورة تسعى لرعاية بيتها، وثلاث بنات وأخ أكبر يُدعى حسام. كان حسام في بداية العشرينيات من عمره، وقد تربّى منذ صغره على تعاليم الإسلام التي غرستها أمّه في قلبه، فكان قلبه ممتلئًا بالرحمة، وعقله راجحًا بالحكمة، ولسانه لا يفتر عن ذكر الله.

كبر حسام بين أخواته، وكان يشعر أنّ الله قد حمّله مسؤولية أن يكون لهنّ السند والحامي بعد والده، ليس لأن والده غائب، بل لأن النبي ﷺ قال: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته»، وكان يعتبر أن أخواته أمانة في عنقه.

المشهد الأول: الأخ الحنون

ذات مساء، جلست سلمى، أخت حسام الوسطى، تبكي في غرفتها بعد أن واجهت مشكلة في دراستها. اقترب منها حسام بهدوء، جلس بجوارها وقال بصوت خافت:

"يا سلمى، ما بالكِ تبكين؟"
قالت وهي تمسح دموعها:

"أشعر أني فاشلة، لا أستطيع مجاراة صديقاتي في الدراسة."

ابتسم حسام وربت على كتفها قائلاً:

"تعلمين يا أختي أنّ الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها، وما دام عندكِ عزيمة وصبر فستنجحين. أنا سأساعدكِ بنفسي في المراجعة، وسأجلس معكِ كل يوم حتى نتجاوز الصعاب."

كانت كلمات حسام بمثابة بلسم على قلبها، شعرت أنّها ليست وحدها في هذه المعركة، بل لها أخ يقف بجانبها، لا يسخر منها، ولا يقلّل من شأنها، بل يرفع معنوياتها ويمنحها الأمل.

المشهد الثاني: الأخ الحامي

في يوم آخر، عادت مريم، الأخت الصغرى، من المدرسة وهي منزعجة. جلس حسام معها يستمع إلى شكواها، فاعترفت له أنّ بعض زميلاتها سخرن منها بسبب لباسها المحتشم. رفع حسام رأسه وقال بثبات:

"لا تحزني يا أختي، الحجاب شرف وكرامة، ومن يسخر منكِ هو في الحقيقة يحسدكِ على طاعة الله. تذكري قول الله تعالى: ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب."

ثم وعدها أن يذهب معها في اليوم التالي ليطمئن قلبها ويشعرها بالأمان. وبالفعل، كان ينتظرها أمام المدرسة، فلما رأته الفتيات يسير بجوارها بوقار وابتسامة، لم يجرؤن على السخرية منها مجددًا. حينها أدركت مريم أن أخاها ليس مجرد قريب بالدم، بل هو درع يحميها من أذى الناس.

المشهد الثالث: الصديق الصادق

كانت ليلى، الأخت الكبرى، مقبلة على مرحلة الزواج، وكان قلبها مليئًا بالقلق والخوف من المستقبل. جلست مع أخيها حسام وقالت:

"أشعر بثقل المسؤولية، وأخشى أن لا أوفّق في حياتي الزوجية."

ابتسم حسام وقال برفق:

"يا ليلى، الزواج سكن ورحمة، وإن صدقتِ مع الله وأحسنتِ اختياركِ فسيبارك لكِ فيه. أنا هنا لأكون صديقكِ قبل أن أكون أخاكِ، أخبريني بكل ما يزعجكِ، وسأكون أمينًا على سركِ."

تأثرت ليلى بكلماته، وشعرت براحة لم تجدها حتى عند صديقاتها. فقد كان أخوها أقرب إليها من الجميع، يعرف همومها ويدعو لها في سجوده.

لمسات إيمانية

كان حسام لا ينسى أن يذكّر أخواته دائمًا بالله، ويحرص أن يجتمع بهم لصلاة الجماعة في البيت إن فاتتهم في المسجد. كان يفتح المصحف ويتلو بصوت خاشع، فتجلس أخواته بجانبه يستمعن للآيات وكأنهن في حلقة من حلقات الذكر. وكان يردد لهن:

"كونوا قريبات من الله، فمن كان الله معه فلن يضيعه أحد."

وكان يقتدي بقول النبي ﷺ: «من كان له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة». وكان يطمع أن يكون هو ذلك الرجل الذي ينال برّ أخواته طريقًا إلى الجنة.

المشهد الأخير: الوفاء

مرت السنوات، وكبرت الأخوات وتزوجن واحدة تلو الأخرى، لكن حسام بقي في حياتهن كالصديق الذي لا يغيب. كانت كل واحدة منهن تلجأ إليه في أوقاتها الصعبة، فينصحها بحكمة، ويمدّ لها يد العون. لم يتغيّر قلبه مع مرور الوقت، بل ازداد حنانًا ورحمه.

وفي يوم عيد، اجتمعت الأسرة، وجلست الأخوات يتذكرن طفولتهن مع أخيهن. قالت سلمى وهي تنظر إليه بعينين ممتلئتين بالحب:

"كنتَ لنا أكثر من أخ، كنتَ الصديق والمعلّم والحامي."
وقالت مريم:

"لولاك لما عرفت معنى الأمان."
وقالت ليلى:

"كنت سندي في ضعفي، ورفيقي في خوفي، وحلمي أن يرزقني الله بولد يشبهك."

ابتسم حسام، وأطرق رأسه قائلاً:

"كل ما فعلته لم يكن من نفسي، إنما هو فضل من الله، وأسأل الله أن يجعلني سببًا في سعادتكن في الدنيا والآخرة."

خاتمة:

إن الأخ في الإسلام ليس مجرد شقيق يشارك الدم، بل هو سند وصديق ورفيق درب. فكما كان حسام لأخواته حصنًا منيعًا وبلسمًا شافيًا، كذلك يجب أن يكون كل أخ لأخواته، اقتداءً بسنة النبي ﷺ وتعاليم ديننا الحنيف. فالبيت الذي فيه أخ سند، هو بيت يزدهر بالطمأنينة، ويكبر فيه الحب الصادق، وتُزرع فيه بذور التقوى التي تؤتي ثمارها في الدنيا والآخرة.

image about قصة: الأخ السند
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

28

متابعهم

14

متابعهم

9

مقالات مشابة
-