كيف يجعل الإيمان بالقدر الإنسان أكثر شجاعة في مواجهة المستقبل؟ السر في التسليم لا في الاستسلام!

كيف يجعل الإيمان بالقدر الإنسان أكثر شجاعة في مواجهة المستقبل؟ السر في التسليم لا في الاستسلام!

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

هل شعرت يومًا بالخوف من المجهول؟ من الغد الذي لا تعرف ما يخبئه لك؟
نعيش في زمن تتسارع فيه الأحداث، وتكثر فيه الضغوط، لكن المؤمن الصادق يملك سرًّا عجيبًا يمنحه الطمأنينة وسط كل هذا الاضطراب — إنه الإيمان بالقدر.
في هذا المقال، سنكشف كيف يجعل الإيمان بالقضاء والقدر الإنسان أكثر قوة وشجاعة، وكيف يزرع في القلب راحة لا يعرفها إلا من صدّق أن كل ما كتبه الله خير.

يعيش كثير من الناس في قلق دائم، خوفًا من المستقبل أو ندمًا على الماضي.
لكن المؤمن الذي امتلأ قلبه بالإيمان بالقدر يعلم أن كل ما يجري في حياته مكتوب بيد الله، وأنه لا يحدث شيء عبثًا.
وهذا الإيمان لا يجعله سلبيًّا أو متواكلًا، بل يزرع فيه شجاعة عظيمة، لأنه يسير وهو واثق أن الله معه، وأنه لن يُصيبه إلا ما كتبه الله له.

أولًا: معنى الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر هو الركن السادس من أركان الإيمان، كما جاء في حديث جبريل المشهور:

"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره." (رواه مسلم)

والإيمان بالقدر معناه أن تؤمن أن كل ما يجري في الكون بقدر الله، بعلمه ومشيئته، لا يخرج عن إرادته شيء.
فالمؤمن لا يخاف المستقبل لأنه يعلم أن الله هو من يدبّر الأمر كله، وأن الغيب بيد من لا يظلم مثقال ذرة.

ثانيًا: كيف يصنع الإيمان بالقدر الشجاعة؟

الشجاعة لا تأتي من القوة البدنية، بل من قوة القلب.
فمن أيقن أن رزقه مكتوب، وأن أجله محدد، وأن الناس لا يملكون له ضرًا ولا نفعًا إلا بإذن الله — لا يخاف من شيء.
قال تعالى:

{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51]

هذه الآية وحدها كافية لتزرع في القلب شجاعة لا تُقهر.
فالمؤمن لا يهرب من التحديات، لأنه يعلم أن النتيجة بيد الله، وأن عليه فقط أن يبذل السبب.

image about كيف يجعل الإيمان بالقدر الإنسان أكثر شجاعة في مواجهة المستقبل؟ السر في التسليم لا في الاستسلام!
رجل يقف بثبات أمام شروق الشمس رافعًا يديه إلى السماء في إيمان ويقين، تعبيرًا عن الثقة في الله والشجاعة المستمدة من الإيمان بالقدر.

ثالثًا: الفرق بين التسليم والاستسلام

قد يظن البعض أن الإيمان بالقدر يعني التراخي أو ترك العمل، لكن هذا مفهوم خاطئ.
النبي ﷺ كان أشجع الناس وأقواهم عملًا، ومع ذلك كان أكثرهم توكّلًا على الله.
فالتسليم لله لا يعني الاستسلام للواقع، بل يعني أن تعمل بجهد، ثم ترضى بالنتيجة.
قال ﷺ:

"احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز." (رواه مسلم)

هذه الوصية النبوية تختصر فلسفة الحياة الإيمانية: اعمل واسعى، لكن لا تخف النتيجة، فالأمر كله بيد الله.

رابعًا: الإيمان بالقدر يحرر من الخوف

الذي لا يؤمن بالقدر يعيش أسير التوقعات، يضطرب قلبه مع كل حدث.
أما المؤمن فيقول بثقة:

"قدّر الله وما شاء فعل." (رواه مسلم)

فهو يرى أن الخسارة امتحان، والنجاح رزق، والمرض كفارة، والموت لقاء مع الله.
لهذا تجده أكثر الناس هدوءًا، لا تهزه المصائب، لأنه يعلم أن كل شيء لحكمة.
قال تعالى:

{وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة: 216]

 خامسًا: أثر الإيمان بالقدر في الطمأنينة النفسية

حين يملأ الإيمان قلبك، لن تخاف الغد، ولن تندم على الأمس.
قال ابن القيم رحمه الله:

“من ملأ قلبه بالرضا عن الله، لم يضره تقلب الأحوال.”

وهذا الرضا لا يعني السكون فقط، بل يمنحك طاقة للاستمرار رغم الصعاب.
فمن رضي بقدر الله، عاش مطمئنًّا مهما تغيّرت الظروف، لأنه يعلم أن التدبير بيد من لا يُخطئ التدبير.

سادسًا: الشجاعة الحقيقية تبدأ من الداخل

الشجاعة الحقيقية ليست في مواجهة العدو، بل في مواجهة الخوف الذي في داخلك.
وما دام القلب مطمئنًّا بأن الله كاتب كل شيء لحكمة، فلن يخاف أحدًا ولا شيئًا.
قال ﷺ:

"واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك." (رواه الترمذي)

هذه الكلمات كانت سر قوة الصحابة رضي الله عنهم، فقد خاضوا المعارك مطمئنين لأنهم يعلمون أن أرواحهم وأقدارهم بيد الله وحده.

سابعًا: الإيمان بالقدر يزرع الأمل

قد تظن أن القدر قاسٍ أحيانًا، لكنه في الحقيقة باب من أبواب الرحمة.
كل تأخير لحكمة، وكل خسارة لحماية، وكل ألم رسالة من الله ليقوّي قلبك.
فحين تؤمن بالقدر، تتعامل مع الحياة بثقة، لأنك تعرف أن الله أرحم بك من نفسك.
قال تعالى:

{إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} [هود: 57]

الخاتمة:

الإيمان بالقدر لا يطفئ الشغف بالحياة، بل يجعلك تعيشها بشجاعة وسلام.
كل خطوة تمشيها مكتوبة، وكل خوف يمكن تحويله إلى طاقة إيمانية إذا تذكرت أن الله لا يقدّر شيئًا عبثًا.
فكن واثقًا، وقل دائمًا كما قال المؤمنون من قبل:

"حسبنا الله ونعم الوكيل."

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

195

متابعهم

62

متابعهم

0

مقالات مشابة
-