إنما يهابك الناس على قدر هيبتك لله
إنما يهابك الناس على قدر هيبتك لله
قصص حقيقية :
الشيخ بدر الدين الحسني كان شيخ شيوخ الشام، ومحدثها الأكبر، وعالم علماءها في عصره ..
كان محباً وناصحاً لجميع خلق الله، المسلمين والمسيحيين واليهود، السني والشيعي والدرزي والعلوي، ناصراً لكل مظلوم، محبوباً من كل الناس .
توفي عام 1935 م
من قصصه :
في إحدى الأيام أرسل الشيخ أحد تلامذته وكان تلميذه هذا في الستين من عمره إلى إحدى بيوت الدعارة المشهورة في سوريا ..
وأرسل معه مالاً وهدايا للبغايا، بل ووصاه أن يطلب الدعاء له منهنَّ !!
فما كان من تلميذه وباقي طلابه إلا الإندهاش، وزال الإندهاش عند عودة تلميذه من هذا المكان، وهو يقول : أعطيت لهم الأموال والهدايا وقلت لهنّ :
إن الشيخ (وهو أشهر مشايخ وعلماء سوريا وقتها) يعطيكن هذه الهدايا ويسألكنّ الدعاء ؟
فلما سمعن طلب الشيخ بدر الدين، الدعاء له
( الشيخ بدر الدين الصائم القائم العابد يطلب دعاء البغايا له )
صعقن و أخذن يبكين، وأعلنّ التوبة، وحملن صُرة المال و تركن هذا المكان ولم ترجعن إليه بعد ذلك .
استطاع كسبهن بالمحبة والغيرة عليهن وتواضعه معهنّ وصدقه مع الله .
——————————
امرأة نصرانية من أهل دمشق، حكم جمال باشا ( وكان أحد طغاة سوريا )على ولدها بالشنق ..
فجاءت متلهفة إلى الشيخ بدر الدين الحسني شيخ مشايخ الشام رحمه الله، فقالت له باكية راجية الشفاعة : أن ينقذ ابنها ؟!
ومعلوم عن جمال باشا أن ذكر اسمه فقط كان يخيف الناس آنذاك..
فتوجه الشيخ إلى الوالي وليس من عادته طرق أبواب الولاة فلما سمع الوالي بذكر اسم الشيخ بدر الدين الحسني الذي لا يخرجه من بيته إلا الخطب الجليل، هرول وقبّل يد الشيخ !!
فقال له الشيخ : اعفُ عن ولد هذه المسكينة !
فأصدر الوالي عفواً عن جميع المحكومين والمساجين إكراماً للشيخ رحمه الله .
————————————
3- مر الشيخ بدر الدين وطلابه بيهودي، فهمَّ اليهودي ليقبل يد الشيخ، لمنزلته وفضله، فنزع الشيخ يده، وقال لليهودي: ادع الله لي ؟
فهمس أحد تلامذته: يا شيخنا هذا يهودي
فقال الشيخ : هو الآن حي، فما أدراك أن يموت يهودياً، ولعله الى الجنة يسبقنا.
————————————-
مرةً حضر درسه رحمه الله، شابٌّ حليق، حاسر الرأس، من شبّان (الموضة)
وكان الشَّيخ على عادته مطرقًا رأسه، فقال له أحد الثقلاء من الحاضرين :
سيدي، ما حكم الشّبَّان الذين يتشبَّهون بالنساء، ويَتَزَيُّون بزيِّ الكفار ؟
فأدرك الشيخ بذكائه النادر أن في المجلس غريباً،
فرفع رأسه، فلمح الشاب، فدعاه وأجلسه بجواره وأكرمه، وقال للسائل مؤنِّباً إياه بأسلوبه الناعم : يا بني، هذا يُتبارك به .
يعني :
أن شابًّا مثل هذا الشاب يطلب العلم، ويؤمُّ مجالسه، ويستهدي الطريق إلى الله، أهلٌ لأن يُتبرَّك به .
لا أمثال ذلك الثقيل من الناس الذين قطعوا الطريق إلى الله بغلظتهم وغباوة قلوبهم .
—————————————-
مرة أرسل له السلطان العثماني رسوله ( الصدرَ الأعظم ) وكان من أكبر الشخصيات - كرئيس وزراء حالياً - والعثمانيون وقتها كانوا يحكمون ثلث العالم .
فدخل الصدر الأعظم على الشيخ بدر الدين في الشام وقال له :
السلطان يدعوك لزيارة إسطنبول ؟
فقال له الشيخ كلمة : ( لا أرغب )
ومن شدة هيبته كان إذا قال : لا أرغب، معناه إنتهى الأمر
لا يجرؤ أحد أن يعيد عليه السؤال .
فودّعه الصدر الأعظم وركب البارجة وقتها للعودة إلى بيروت، ومن بيروت إلى إسطنبول، وطبعاً كان الوقت طويل، ليس مثل الآن في ساعتين ..
وعندما وصل بالبارجة إلى إنطاكية، تألم ألماً شديداً، وقال في نفسه :
أنا صدر أعظم، رئيس وزارء، آتي أتجشم الصعاب، أركب الباخرة من إسطنبول إلى بيروت إلى الشام، وأطلب من هذا العالم أن يأتي معي فيرفض !!
والله سأرجع وآخذه بالقوة .
فرجع من إنطاكية لبيروت، ومن بيروت إلى الشام، ووصل بعد ثلاثة أيام إلى الشام ..
ذهب للشيخ ودخل عليه، وكان الشيخ بدر الدين يصلي، فلما سلَّم وانتهى من صلاته نظر إليه نظرة وقال له :
لماذا رجعت ؟
فاضطرب الصدر الأعظم وقال له : (( سيدي نسيت أن أقبّل يدك ))
————————————
لما احتل الفرنسيون جامع تنكز المعروف في دمشق وجعلوه مدرسة عسكرية ..
ذهب الشيخ بدر الدين الحسني ووراءه تلامذته ومن حولهم من أعيان الشام وأهلها، ذهب بشيخوخته وخَطواته البطيئة، حتى دخل الباب فلم يستطع الجندي الحارس أن يمنعه مع أن سلاحه بيده، بل أخبر رؤساءه !!
فلما جاء منهم من جاء، لم يجدوا غازياً مقتحماً ليردوه، ولا محارباً مسلحاً لينازلوه ..
بل وجدوا شيخاً كبيراً مشرق الوجه، نوراني الجبين، مضيء الشيبة، خفيض الصوت، قليل الكلام !!
فلما سألوه ماذا يريد ؟
قال الترجمان : ماذا تريدون ؟
قال لهم : هذا مسجد، والمساجد للصلاة، وقد جئنا نصلي فيه فكم يكفيكم من الأيام لتخلوه لنا ؟
لم يمضِ يومان إلا وأخلي خوفاً من كلمةٍ من ذاك الجليل في استعدائه، فكان سيحرك عليهم الناس ﻷنهم وجدوهم ملتفين حوله وعاد مسجداً كما كان.
————————————-
العبرة :
في أمتنا علماء ودعاة بل وعامة بهم أخلاق عظيمة لا تضاهى
فقد تشربوا تلك الأخلاق من أكمل الناس أخلاقا سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
أمتنا غنية بهؤلاء إلا أن غبار التحزب والشهرة وتصدر من تعجبك أجسامهم ولباقتهم قد نثرت على سيرهم فلا يكاد الناس يسمعون عنهم..
كانت لهم هذه المنزلة لمّا كان العلماء هم قادة الأمة تسير وراءهم وتأتمر بأمرهم كلما نزلت بها نازلة.
كانت للعلماء هذه المنزلة لما كانوا يريدون الله والدار الآخرة
ما كانت الدنيا أكبر همهم ولا منتهى علمهم
ماتت في نفوسهم شهوة الجاه في الدنيا
فأعطاهم الله الجاه كله في الدنيا.
وأرادوا رضى الله ولو بما يسخط الناس
فرضي الله عنهم وأرضى عنهم الناس .