
عاصم بن ثابت.. بطل ثابت على الحق
عاصم بن ثابت.. بطل ثابت
على الحق
عندما نتحدث عن الصحابة رضي الله عنهم، نرى في سيرهم قدوات عظيمة وأبطالًا لا يعرفون التراجع أمام الشدائد. ومن بين هؤلاء الأبطال الذين لم يُعرفوا كثيرًا عند عامة الناس، لكنهم تركوا أثرًا خالدًا في تاريخ الإسلام، الصحابي عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، الذي جسّد في حياته معنى الثبات على العهد والوفاء لدين الله.
نسبه وإسلامه
عاصم بن ثابت من بني عدي بن النجار من الأنصار، وهم من أوائل من نصروا رسول الله ﷺ واحتضنوا دعوته بعد الهجرة. أسلم عاصم مبكرًا، وامتلأ قلبه بالإيمان، حتى صار جنديًا من جنود الإسلام المخلصين، لا يتردد لحظة في التضحية بنفسه لنصرة الدين.
مشاركته في الغزوات
لم يكن عاصم من الصحابة الذين اكتفوا بالإيمان القلبي فقط، بل كان رجل ميدان، حضر مع النبي ﷺ المشاهد العظيمة. شارك في غزوة بدر الكبرى، تلك المعركة الفاصلة التي أظهرت عزيمة المسلمين الأولى. ثم شهد غزوة أحد، وأبلى فيها بلاءً حسنًا، وكان من الرماة الأشداء الذين أوصى بهم النبي ﷺ لحماية ظهور المسلمين.
ولأنه كان من أصحاب القلوب الثابتة، لم يتأثر بتغير الأحوال يوم أحد، بل ظل يقاتل حتى النهاية، مضربًا أروع الأمثلة في الشجاعة.
حادثة الرجيع.. موقف لا يُنسى
لكن الموقف الأعظم في سيرة عاصم بن ثابت هو ما حدث في سرية الرجيع. فقد بعثه النبي ﷺ مع عدد من أصحابه ليعلموا الناس الإسلام في بعض القبائل، فغدر بهم المشركون، وحاصرهم الأعداء من كل جانب. حينها وقف عاصم وقفة رجل صادق، ورفض أن يسلّم نفسه أو يساوم على دينه. قال لهم بلسان ثابت: “أما أنا، فلا أقبل أن أعطي عهداً لكافر، اللهم أخبر عنّا نبيك.”
قاتل عاصم مع أصحابه قتال الأبطال، حتى قُتل شهيدًا. وهنا تتجلى عظمة قصته، إذ لم يرضَ أن يُذل أو يُؤسر، فكان ثابتًا على موقفه حتى آخر لحظة.
حماية الله له بعد استشهاده
بعد أن استشهد عاصم، أرادت قبيلة من المشركين أن يأخذوا رأسه، لأن أم عمرو بن طعمة كانت قد نذرت أن تشرب الخمر في جمجمته إذا قُتل انتقامًا منه، لأنه قتل ولدها يوم بدر. لكن الله عز وجل حمى جسده وكرّمه بعد موته؛ فقد أرسل سربًا من الدبابير يحوم حول جثته ويمنع المشركين من الاقتراب منه. حاولوا مرارًا أن يصلوا إليه، فلم يستطيعوا، حتى أيقنوا أن الله يحفظ وليَّه. وبقي جسده على الأرض حتى جاء الليل، فأرسل الله المطر فجرف السيول جسده، فلم يجدوا له أثرًا. وهكذا حفظه الله حيًا وميتًا، وجعل قصته آية على كرامة الشهداء.
دروس من حياته
من سيرة عاصم بن ثابت نتعلم الكثير من الدروس التي تنير الطريق:
1. الثبات على المبدأ: عاصم لم يرضَ أن يُسلِّم نفسه لأعداء الله، حتى لو كان في ذلك نجاته الدنيوية، لأنه كان يرى أن الكرامة الحقيقية في الثبات على الحق.
2. الصدق مع الله: دعاؤه "اللهم أخبر عنا نبيك" وصل فعلًا، فقد نزل الخبر إلى رسول الله ﷺ بالوحي، فعلم بما جرى لهم.
3. كرامة الشهداء: الله عز وجل تكفل بحماية جسده بعد موته، في مشهد يثبت أن من يثبت لله، يثبته الله في الدنيا والآخرة.
4. البطولة ليست شهرة: كثير من الناس لا يعرفون اسم عاصم، لكنه عند الله بطل عظيم، وأعماله محفوظة في ميزان حسناته.