تفسير سوره البقره من الايه ١ الي الايه ١٥
تفسير سوره البقره من الايه ١ الي الايه ١٥
اولا
تفسير سوره البقره من الايه ١ الي الايه ٥
«المّ» (1) — هذه الحروف المقطّعة في بداية بعض السور، منها «المّ»، وهي من الآيات التي تحمل إعجازاً وتذكيراً بأن القرآن معجزةٌ في كلامه وحروفه التي يعرفها العرب، ومع ذلك لا يستطيعون
«ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» (2) — يقول تعالى إنه هذا القرآن (الكتاب) لا شك فيه، فهو هداية لمن اتقى الله، أي من خافه وامتثل أمره واجتنَب معاصيه.
«الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ» (3) — صفّة المتقين: إيمانٌ بالغيب (ما لا يرى من الآخرة وما أنزل من الوحي)، إقامة الصلاة، وإنفاق ما رزقهم الله من مال أو خير في طاعته.
«وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ» (4) — بالإضافة إلى الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق، فالمُتقِي أيضاً يؤمن بما أنزل على النبيّ محمد ﷺ وكذلك ما أنزل من قبلُ (الكتب والرسل) ويوقِن بالآخرة.
«أُولَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (5) — الذين سبق ذكرهم هم على هدى من ربّه، أي جنَّبهم الله الضلال، و”همُ المفلحون” أي الفائزون في الدنيا وفي الاخره
خلاصة هذه الآيات: يبدأ الله تعالى السورة بحروف غامضة تذكّرنا بعظمة القرآن، ثم يؤكد أنه لا ريْب فيه، ويبيّن صفات أهل الهُدى ـ الذين يتحلّون بالإيمان بالغيب، بالصلاة، بالإنفاق، وبالإيمان بكل ما أنزل، ويختم بأن هؤلاء هم الفائزون. إنّها آيات تأسيسية توضّح كيف يكون المؤمن الحق.

ثانيا
تفسير سوره البقره من الايه ٦الي الايه ١٥
«إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ» (6) — يُبيّن تعالى أن الذين كفروا، فرقٌ بينهم في قبول الحق أو إنذاره، لكن النتيجة واحدة: لا يُؤمنون، أي إنّ التحذير أو الإنذار لا يُغيّر حالهم إذا عَمِيَت قلوبهم عن الحق.
«خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» (7) — إشارتان إلى حالة الكافرين: ختمٌ من الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم، أي أن الله جعل غشاوة تحول دون هدايتهم؛ والعاقبة لهم عذاب عظيم.
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ» (8) — ثم يُحدث تعالى عن نوع ثالث: هم من الناس يُظهرون الإيمان لفظياً، لكنهم حقيقةً ليسوا مؤمنين؛ مظهرهم إيمان، لكن باطنهم خلاف ذلك.
«يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ» (9) — هؤلاء المنافقون يخادعون الله والمؤمنين، ويظنون أنهم يخدعون، لكنهم يخدعون أنفسهم، وغمض الله على إدراكهم.
«فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ» (10) — في قلوبهم مرضٌ من النفاق والريبة، فزادهم الله مرضاً، وإن أولئك لهم عذاب أليم بسبب كذبهم.
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ» (11) — ويُعرض تصرّفهم: عندما يُطلب منهم ألا يفسدوا في الأرض، يقو٩لون إنهم يصلحون. أي يتشدّقون بالإصلاح بينما واقعهم فساد.
«أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لَّا يَشْعُرُونَ» (12) — التحذير: إنهم في الحقيقة المفسدون، لكنهم لا يشعرون أو يعترفون بذلك.
«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَـكِن لَّا يَعْلَمُونَ» (13) — حين يُطلب منهم الإيمان كما آمَن الناس، يستهزئون أو يقللون: هل نؤمن كما آمَن السفهاء؟! والحقّ أن السفهاء هم هم، لكنهم لا يعرفون ذلك.
«وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قالوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ» (14) — عند لقاء المؤمنين يقولون آمنا، وعند لقاء الشياطين (أوليائهم) يقولون إنهم معهم مستهزئين؛ يظهرون الإيمان ويبطنون الاستهزاء.
«اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ» (15) — هذه حالة هؤلاء: الله يسخر منهم، ويتركهم في طغيانهم حتى يضلّوا ويعموا عن الحق.خلاصة هذه الآيات: بعد ذكر صفات أهل الهُدى، يأتي ذكر صفات من خالفوا الهُدى: الكافرون الذين لا يؤمنون مهما نُذروا، والمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويحملون في قلوبهم مرضاً، ويتحايلون على الحق ويسخرون من المؤمنين. والنتيجة أن الله يتركهم في طغيانهم ويُعمى بصيرتهم.