أسماء يوم القيامة ودلالاتها في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ يومَ القيامةِ آتٍ وواقعٌ لا محالةَ، قالَ الله تعالَى: {إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.(غافر: 59). ولمكانةِ يومِ القيامةِ جُعِلَ أحدَ أركانِ الإيمانِ، ففي حديثِ جبريلَ عليه السلامُ، ” قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ؛ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ. قَالَ: صَدَقْتَ” (مسلم). وقد أخفَى اللهُ موعدَ يومِ القيامةِ ليجتهدَ الناسُ في العملِ على الدوامِ، قالَ تعالَى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى}.(طه: 15)، فَعِلْمُ الساعةِ أحدُ الغيبياتِ الخمسةِ التي أخفاهَا اللهُ على عبادِهِ، واختصَّ بهَا ذاتَهُ سبحانَهُ وتعالَى في قولِهِ: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}. (لقمان: 34).
ومع كلِّ ذلك فهناكَ الكثيرُ مِمَّن ينكرُ وقوعَ البعثِ ويومَ القيامةِ، قالَ تعالَى:{ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ }. (التغابن: 7).
فقد رويَ «أنَّ أُبيَّ بنَ خلَفٍ – وهو مِن صناديدِ كفارِ قريشٍ – جاءَ بعظمٍ بالٍ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ففتَّهُ بيدِهِ ثُمَّ قالَ: أتزعمُ يا محمدٌ أنَّ اللهَ يُحيي هذا بعدمَا رمَّ؟ فقالَ لهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ نعمْ يحييهِ، ثم يبعثُكَ ويدخلُكَ النارَ فأنزلَ اللهُ تعالَى: { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ } .( يس: 77 – 79» .(صفوت التفاسير للصابوني).
وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلًا قَيْنًا، وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ. فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لَا وَاللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ. قَالَ: فَإِنِّي إِذَا مُتُّ ثُمَّ بُعِثْتُ جِئْتَنِي وَلِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَعْطَيْتُكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا} إِلَى قَوْلِهِ: {وَيَأْتِينَا فَرْدًا} .(متفق عليه). فهو يقولُهُ علي سبيلِ التهكمِ والسخريةِ! قابلنِي هناكَ وسأعطيكَ!!
وقصةُ الرجلُ الذي أسرفَ على نفسهِ معروفةٌ ومشهورةٌ، يقولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:” أَسْرَفَ رَجُلٌ عَلَى نَفْسِهِ، فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى بَنِيهِ فَقَالَ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي، ثُمَّ اسْحَقُونِي، ثُمَّ اذْرُونِي فِي الرِّيحِ فِي الْبَحْرِ، فَوَاللهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبُنِي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ بِهِ أَحَدًا، قَالَ فَفَعَلُوا ذَلِكَ بِهِ، فَقَالَ لِلْأَرْضِ: أَدِّي مَا أَخَذْتِ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ، فَقَالَ لَهُ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ: خَشْيَتُكَ يَا رَبِّ، أَوْ قَالَ مَخَافَتُكَ، فَغَفَرَ لَهُ بِذَلِكَ “.(متفق عليه).
يومُ القيامةِ لهُ أسماءٌ كثيرةٌ في القرآنِ الكريمِ، وكلُّ اسمٍ مِن هذه الأسماءِ لهُ دلالةٌ خاصةٌ تدلَّ على نوعٍ معينٍ مِن أهوالِ وأحوالِ يومِ القيامةِ، وفي الحقيقةِ لا تسعفُنَا هذه العجالةُ السريعةُ في ذكرِ هذه الأسماءِ على سبيلِ الحصرِ، وإنَّما أكتفَي بذكرِ أبرزِ خمسةِ أسماءٍ وبيانِ دلالتِهَا، وإسقاطِ معناهَا على أرضِ الواقعِ عمليًا، ومِن هذه الأسماءِ:
يومُ القيامةِ: وهو مِن أشهرِ الأسماءِ المتعارفِ عليها، وسُمِّي بذلك لقيام ِكافةِ العبادِ مِن قبورِهِم للمثولِ أمامَ المولَى عزَّ وجلَّ. قالَ تعالَى: { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }. (المطففين: 6). وذُكِرَ يومُ القيامةِ في أكثر مِن سبعينَ موضعًا، منها قولهُ تعالَى: {اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ}.( النساء: 87).