
الأمانة العظيمة: مسؤولية الرجل عن المرأة في الإسلام
الأمانة العظيمة: مسؤولية الرجل عن المرأة في الإسلام
مقدمة:
من أعظم القيم التي جاء بها الإسلام أنّ الرجل مسؤول عن المرأة مسؤولية تامة، فهو راعٍ وحامٍ وقائد بالعدل والرحمة. هذه المسؤولية ليست امتيازًا للسيطرة، بل هي أمانة كبرى يسأل عنها الرجل يوم القيامة. ومن خلال قصة الشاب عبدالرحمن وزوجته مريم، نقترب أكثر من معنى القوامة الحقيقية كما أرادها الله تعالى.
البداية: عهد ومسؤولية
في إحدى القرى البسيطة، وُلد عبدالرحمن بين أسرة متدينة تعلم أبناءها أن الرجولة ليست في القوة الجسدية ولا في الصوت العالي، وإنما في القدرة على تحمّل المسؤولية وصيانة الحقوق. كان والده يردّد عليه دومًا حديث النبي ﷺ:
"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته" (رواه البخاري ومسلم).
كبر عبدالرحمن بهذا الفهم العميق، حتى جاء اليوم الذي تزوّج فيه من فتاة صالحة تُدعى مريم. كانت بداية حياتهما الزوجية مليئة بالحب والخوف من الله، وجلس عبدالرحمن يتأمل: "لقد أصبحت الآن راعيًا لروح وجسد، أمانة عظيمة بين يديّ، فكيف أؤديها بحقها؟".
النفقة: دليل صدق وحب
خرج عبدالرحمن إلى عمله منذ اليوم الأول وهو يشعر أن رزقه ليس له وحده، بل هو واجب تجاه زوجته. كان يردد قول النبي ﷺ:
"ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف" (رواه مسلم).
النفقة بالمعروف
لم يكن يشتري لها ما يكفي فقط، بل كان يسعى أن يكون عطاءه "بالمعروف"؛ أي بما يليق بمكانتها ويُشعرها بالسعادة. فإذا اشترى طعامًا، اختار أجوده، وإذا اشترى لباسًا، بحث عن الأجمل والأكثر مناسبة لها.
كان يعلم أنّ النفقة ليست مجرد طعام وشراب، بل رسالة حب واطمئنان، تقول للزوجة: "أنا هنا لأرعاك وأحميك".
القوامة: قيادة بالعدل لا تسلط
كان عبدالرحمن يستحضر دائمًا قول الله تعالى:
{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ...} [النساء: 34].
القوامة تكليف لا تشريف
فهم أن القوامة لا تعني الاستبداد أو رفع الصوت، بل هي تكليف من الله أن يكون مسؤولًا عن النفقة والرعاية والتوجيه.
كان إذا أراد أن ينصح زوجته، فعل ذلك بلطف، مقتديًا بقول النبي ﷺ:
"خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" (رواه الترمذي).
وهكذا، كان عبد الرحمن قائدًا برحمة، يوازن بين شدّة الحق ولطف المعاملة.
موقف الاختبار: مرض الزوجة
لم تمر سنوات كثيرة حتى ابتُليت مريم بمرض شديد جعلها طريحة الفراش لأسابيع. عندها ظهر المعدن الحقيقي لعبدالرحمن.
الزوج في وقت الشدة
ترك كل لهوه وانشغالاته، وجعل أولويته أن يكون بجانبها. كان يطهى الطعام بنفسه، ينظف البيت، ويسهر بجوارها يقرأ لها القرآن بصوت خاشع، ويمسح على رأسها بكلمات ملؤها الحنان.
لم يعتبر ذلك انتقاصًا من رجولته، بل كان يرى أنّ الرجولة الحقيقية تظهر حين تكون المرأة في أضعف حالاتها. وكان يقول لنفسه: "إذا كنت لا أكون معها الآن، فمتى أكون؟".
قدوة من السيرة النبوية
تذكّر دائمًا أن النبي ﷺ كان يخدم أهله في بيته، وكان أرحم الناس بأزواجه. فكان يقتدي به ويجد في ذلك سعادة ورضًا من الله.
الأبوة: امتداد المسؤولية
شاء الله أن يُرزق عبدالرحمن ومريم طفلة جميلة أسمياها أمينة. عندها شعر عبدالرحمن أن الأمانة تضاعفت، فلم يعد مسؤولًا عن زوجة فقط، بل عن أسرة كاملة.
التربية على الإيمان
كان يحمل ابنته بحنان ويُردد لها آيات قصيرة من القرآن، وكأنه يغرس في قلبها حب الله منذ نعومة أظافرها. وكان يذكّر نفسه دومًا أنه مسؤول عن تربية ابنته تربية صالحة، لأنه سيسأل عنها أمام الله كما سيسأل عن زوجته.
المجتمع يتعلم من القدوة
بدأ أهل القرية يلاحظون تعامل عبدالرحمن مع زوجته. رأوا كيف يخرج للعمل ثم يعود ليشاركها في شؤون البيت، وكيف يتحدث معها بلطف واحترام. فأصبح قدوة للشباب، يسألون أنفسهم: "كيف استطاع أن يوازن بين القوامة والرحمة؟".
كلمة عبدالرحمن
وحين سأله بعضهم عن سر نجاحه، قال ببساطة:
"الرجل في الإسلام ليس سيدًا متسلطًا، بل هو حارس أمين على أهله. إذا قام بواجبه كما أمر الله، ملأ الله بيته رحمة ومودة."
الدروس المستفادة
- القوامة مسؤولية عظيمة وليست تسلطًا.
النفقة بالمعروف واجب شرعي على الرجل.
خدمة الزوجة عند مرضها خُلق نبوي.
التربية على الإيمان مسؤولية مشتركة.
القدوة العملية أبلغ من الكلام.
خاتمة:
ظل عبدالرحمن مثالًا حيًا للرجل المسلم الذي فهم القوامة بمعناها الصحيح: قيادة بالعدل، رعاية بالحب، أمانة أمام الله. فكانت حياته الزوجية مليئة بالسكينة، وكانت أسرته نموذجًا يُحتذى به.
