
الزوج غير المسؤول وظلم الأسرة
الزوج غير المسؤول وظلم الأسرة
بداية
في إحدى القرى الهادئة كان يعيش رجل يُدعى سالم. نشأ في عائلة ميسورة الحال، لكنه لم يتعلم كيف يكون مسؤولًا أو كيف يتحمل واجباته تجاه من حوله. وعندما بلغ الثلاثين من عمره قرر أن يتزوج دون أن يفكر مليًا في معنى الزواج أو تبعاته.
تزوج سالم من امرأة صالحة تُدعى مريم، معروفة في قريتها بحسن الخلق والصبر والإيمان بالله. كانت تحلم بأن تبني مع زوجها أسرة سعيدة تقوم على المودة والرحمة كما أمر الله تعالى:
"وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً" [الروم: 21].
لكن هذه الأحلام اصطدمت بواقعٍ مختلف تمامًا.
بداية المعاناة
بعد الزواج بمدة قصيرة، بدأت مريم تلاحظ أن سالم لا يهتم بالعمل ولا يسعى لكسب الرزق، بل يقضي وقته بين الجلوس مع أصحابه والحديث الفارغ. لم يكن يسعى لتأمين قوت يومه، وكثيرًا ما كانت مريم تضطر لطلب المساعدة من جيرانها أو بيع بعض ما تملك لتطعم نفسها وبناتها لاحقًا.
رزقهم الله ببنتين جميلتين، أسماء وهبة، وكانتا بحاجة إلى رعاية خاصة وغذاء وتعليم وملبس. لكن سالم لم يتحمل مسؤوليته، بل ترك العبء كاملاً على زوجته.
كانت مريم ترى بناتها جالسات بلا حذاء مناسب أو ثياب لائقة، بينما كان والدهن ينفق القليل من المال الذي يجمعه على أمور تافهة، فيعود آخر الليل فارغ اليدين.
صبر الزوجة وإيمانها
رغم قسوة التجربة، تمسكت مريم بالصبر والاحتساب، وكانت تذكر نفسها بقول الله تعالى:
"إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" [البقرة: 153].
علمت أن ظلم زوجها ليس نهاية الطريق، بل ابتلاء من الله يختبر به قوة إيمانها. كانت تقول لبناتها الصغيرات:
– "لا تحزنَّ يا حبيباتي، فالله لن يضيعنا، وهو الرزاق الكريم."
وبالفعل، كثيرًا ما كانت ترى أبوابًا من الرزق تُفتح أمامها بفضل دعائها وإحسانها للآخرين.
ظلم الزوج لبناته
مع مرور السنوات كبرت أسماء وهبة، وبدأتا تشعران بالنقص بين زميلاتهما في المدرسة. لم يكن لديهما حقائب مدرسية مثل باقي الطالبات، وأحيانًا كانتا تجلسان جائعتين في الفصل لأن والدهما لم يوفر لهما الطعام.
ذات يوم بكت أسماء وقالت لأمها:
– "لماذا أبي لا يشبه آباء صديقاتي؟ لماذا لا يشتري لنا ما نحتاجه؟"
عندها ضمتها مريم إلى صدرها وقالت:
– "أبوك ابتُلي بالكسل واللامسؤولية، لكن اعلمي يا بنيتي أن الله سيعوضنا خيرًا إن صبرنا وتوكلنا عليه."
كانت كلمات الأم بلسماً على قلب ابنتها، وغرست في داخلها قيمة التوكل على الله والاعتماد عليه وحده.
موقف يغير مجرى الأحداث
في إحدى الليالي الماطرة، عاد سالم إلى بيته متعبًا بعدما خسر مالاً كان يقامر به سرًا مع بعض رفقائه. دخل بيته ليجد زوجته وبناته يرتجفن من البرد، وليس في البيت ما يقيهم المطر المتسرب من السقف.
قالت له مريم بجرأة لأول مرة:
– "اتق الله فينا يا سالم. ستُسأل يوم القيامة عنّا. ألم تسمع قول النبي ﷺ: كفى بالمرء إثمًا أن يضيّع من يقوت؟"
تأثر سالم بكلماتها لكنه لم يُبدِ ندمًا عميقًا. بل ظل يسوّف ويبرر لنفسه.
العقوبة الإلهية
لم يطل الوقت حتى بدأ سالم يحصد نتيجة إهماله. تخلى عنه أصدقاؤه الذين كان يقضي معهم وقته، وخسر ما تبقى له من مال وصحة. أصيب بمرض أقعده في الفراش، ولم يجد من يعتني به سوى زوجته التي رغم كل ما لاقت من ظلم، لم تتخلَّ عن واجبها في رعايته لأنها كانت ترى ذلك من صميم أخلاق الإسلام.
وفي مرضه بدأ سالم يسترجع شريط حياته، ويتذكر كيف ضيّع مسؤولياته وظلم أسرته. أخذ يبكي ويقول:
– "ربِّ اغفر لي تقصيري، واغفر لي ظلم زوجتي وبناتي."
عاقبة الصبر
أما مريم، فصبرها لم يذهب هباء. فقد فتح الله لها أبواب الرزق من حيث لا تحتسب، إذ بدأت تخيط الملابس لجاراتها حتى صار لها رزق ثابت. كبرت بناتها، وأصبحن متفوقات في دراستهن بفضل دعم أمهن ودعائها الدائم.
وعندما اشتد المرض على سالم، وجد نفسه معزولًا ضعيفًا، بينما كانت بناته يرفعن أيديهن بالدعاء له رغم أنه لم يؤدِّ واجبه تجاههن. عندها شعر بخجل شديد، وعلم أن تقصيره لم يذهب نسيانًا.
الدروس والعبر
الزواج مسؤولية عظيمة: ليس مجرد عقد بين رجل وامرأة، بل هو عهد أمام الله يجب الوفاء به.
الرجل راعٍ ومسؤول: قال النبي ﷺ: "الرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته" [رواه البخاري ومسلم].
الصبر طريق النجاة: ما تحملته مريم من ظلم وصبرها جعلاها ترى بركات الله في حياتها.
التقصير يُحاسب عليه العبد: من ضيّع زوجته وأولاده فقد خان الأمانة.
خاتمة
قصة سالم ومريم تبيّن لنا أن الزواج ليس مكانًا للهو والكسل، بل ميدانًا للمسؤولية والعدل والرحمة. وعلى كل زوج أن يتذكر أنه سيُسأل يوم القيامة عن أهله: هل أطعمهم؟ هل علمهم؟ هل كان عونًا لهم أم سببًا في معاناتهم؟
أما الزوجة الصابرة والأبناء المظلومون، فإن الله لا يضيع حقهم، بل يُعوّضهم خيرًا عاجلاً أو آجلاً.
وهكذا يظل الإسلام يرشدنا إلى أن المسؤولية أمانة، ومن ضيّعها فقد خسر الدنيا والآخرة.
