
الفتاة التي ظلمها الناس بذنب أبيها
الفتاة التي ظلمها الناس بذنب أبيها
البداية
في قرية هادئة بين الحقول الخضراء، عاشت فتاة بريئة تدعى هند، لم يعرف قلبها سوى الطهر والإيمان. لكنها كانت تحمل على عاتقها عبئًا لم يكن لها فيه ذنب، فقد حكم عليها الناس بجريرة والدها الذي اشتهر بالظلم والطمع.
كل خطوة كانت تخطوها في طرقات القرية، تسبقها الهمسات والعيون المتسائلة: "أليست هذه ابنة سالم؟"
ورغم أن قلبها عامر بالخير، إلا أنها لم تجد من الناس سوى القسوة والابتعاد، وكأنهم تناسوا قول الله تعالى:
﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.
هكذا بدأت رحلة هند مع الصبر والاحتساب، رحلة فتاة ظلمها الناس لكنها لم تيأس من رحمة الله.
الأحداث
كان والدها سالم رجلاً عرفه الناس بالقسوة والطمع، فقد اعتاد على ظلم الآخرين في البيع والشراء، وأخذ ما لا يحق له. صار له بين الناس سمعة سيئة، حتى ابتعدوا عنه وكرهوه.
ولم يكن ذنب سالم وحده هو الذي بقي في أذهانهم، بل امتدت هذه السمعة إلى أسرته جميعًا، وخاصة ابنته هند، رغم أنها لم ترتكب أي خطأ.
كلما تقدّم أحد لخطبتها، تردّد وقال: "كيف أتزوج ابنة سالم الظالم؟"
وكلما جلست بين النساء، سُمعت الهمسات: "هذه ابنة من ظلم جاره، وهذه بنت من أخذ مال اليتيم."
صبر واحتساب
عاشت هند سنين من حياتها وهي تعاني من هذا الظلم، لكنها كانت ترفع يديها إلى السماء كل ليلة، وتقول:
"اللهم لا تؤاخذني بذنب لم أرتكبه، واغفر لوالدي واهد قلبه."
تذكرت دومًا قول الله تعالى:
﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا﴾ [الأنعام: 164]،
فازداد يقينها أن الله لا يظلم أحدًا، حتى وإن ظلمها الناس.
لحظة المرض والتوبة
وذات يوم، مرض والدها مرضًا شديدًا أقعده في الفراش. لم يجد من يزوره أو يسأل عنه، فقد ابتعد عنه الجميع بسبب ظلمه لهم. جلست هند إلى جواره تعالجه بحب، وقالت:
– "يا أبي، لعل الله أراد بهذا المرض أن يطهّرك من ذنوبك، فتب إلى الله."
تأثر سالم بكلماتها، واغرورقت عيناه بالدموع، وقال:
– "لقد ظلمت نفسي والناس يا هند، لكنكِ بقيتِ بجانبي رغم قسوتي."
ذكّرته برحمة الله، وقرأت له:
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ﴾ [الزمر: 53].
فبكى وأعلن توبته، وبدأ يرد الحقوق إلى أصحابها ويعتذر لهم.
تغيير نظرة الناس
مرت الأيام، ورأى الناس صدق توبته، لكنهم ظلوا مترددين في التعامل مع هند. حتى جاء يوم اجتمع فيه أهل القرية في المسجد بعد صلاة الجمعة، فقام الإمام وقال:
– "أيها الناس، اتقوا الله ولا تظلموا أحدًا. إن هندًا ابنة صالحة بريئة، لا ذنب لها في أفعال أبيها. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. فحاسبوا الناس بأعمالهم، لا بذنوب غيرهم."
أثّرت الخطبة في القلوب، وبدأوا يرون هند بعين جديدة، فرأوا الطهر والإيمان.
فرج من الله
بعد فترة، تقدم شاب صالح من قرية مجاورة يُدعى أحمد لخطبتها. كان يعلم قصتها لكنه لم يلتفت إلا إلى قلبها النقي. قال لوالدته:
– "أبحث عن زوجة صالحة تقربني من الله، وقد وجدتُ ذلك في هند."
تم الزواج في أجواء فرح وبركة، ورأى الناس كيف أكرمها الله بزوج صالح بعد سنوات من الصبر على الظلم.
الخاتمة
إن قصة هند تعلمنا أن الناس قد يظلمون بجهلهم وأحكامهم المسبقة، لكن عدل الله فوق كل شيء، فهو سبحانه لا يظلم مثقال ذرة. فما على المؤمن إلا أن يصبر ويحتسب، ويثق أن الفرج بيد الله وحده.
لقد انتصرت هند بإيمانها وثباتها، فبرأها الله أمام الناس، ورفع قدرها بعد أن ظُلمت سنين طويلة. وهكذا يبقى اليقين بالله هو السلاح الأقوى لمواجهة قسوة البشر.
فلنحذر من ظلم الأبرياء، ولنتذكر قول النبي ﷺ:
"اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة."