الابنة الكبرى و الظلم النفسي

الابنة الكبرى و الظلم النفسي

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

قصة الابنة الكبرى وظلّ الظلم النفسي

في إحدى القرى الهادئة، كان يعيش رجل يُدعى "سالم" وزوجته "فاطمة". بدا بيتهما من الخارج متماسكًا، جدران صلبة وسقف يسترهم من المطر والشمس، لكن داخله كان مليئًا بالظلم النفسي، وأصوات القهر التي لا يسمعها إلا أبناؤهم.

كان سالم رجلاً شديد الغضب، لا يرى في أولاده سوى أدوات لتحقيق أحلامه، وإذا قصّروا أو أخطأوا في شيء بسيط، صبَّ عليهم جام غضبه بالكلمات الجارحة والعبارات القاسية. أما فاطمة، فقد كانت امرأة لا تعرف الحنان، بل انشغلت بعيوب أولادها، وتفنّنت في إذلالهم ومقارنتهم بغيرهم، حتى صارت كلماتها كسكاكين تغرس في قلوبهم.

كبر الأبناء على هذا الظلم النفسي، لكن الابنة الكبرى "آمنة" كانت أكثر من تأثّر، فهي التي تحملت منذ صغرها المسؤولية، وحاولت دائمًا حماية إخوتها من قسوة والديها، لكنها لم تسلم من اللوم والانتقاد.

كانت فاطمة تكرر على مسامعها:

"أنتِ السبب في كل مشاكل البيت، لو كنتِ مطيعة لما تعبنا هكذا!"

وكان سالم يردد:

"لن تنجحي أبدًا، لأنك عنيدة ولا تصلحين لشيء!"

ومع مرور السنوات، تراكمت تلك الكلمات في قلب آمنة كجدار سميك يحجب عنها نور الأمل. لكنها، بخلاف إخوتها، لم تستسلم لليأس، بل لجأت إلى الله، تبكي في جوف الليل، وتردد قوله تعالى:

"وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ" [النحل:127].

خروج الابنة الكبرى

حين بلغت آمنة العشرين من عمرها، قررت أن تخرج من بيتها المليء بالقهر النفسي. لم يكن قرارها هروبًا، بل بحثًا عن الحرية الداخلية وطلبًا للسلام النفسي. التحقت بدراسة علم النفس والإرشاد الأسري، عازمةً أن تفهم ما الذي جعل حياتها بهذا الشكل، وأن تمنع تكرار هذه الحلقة في حياتها القادمة.

لكن خروجها لم يكن سهلاً؛ فقد رآها إخوتها وكأنها تركتهم وحدهم في مواجهة الظلم. شعروا أن الأخت الكبرى التي كانت تحميهم قد انسحبت، وبدأت بينهم خلافات وصراعات داخلية. بعضهم لامها:

"كيف تركتِنا نغرق وحدنا؟"

بينما رآها آخرون قدوة:

"لو امتلكنا شجاعتك، لفعلنا مثلك."

صراع داخلي

عاشت آمنة صراعًا كبيرًا بين رغبتها في إنقاذ نفسها، وشعورها بالذنب تجاه إخوتها. لكنها في النهاية تذكرت قوله تعالى:

"لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى" [الأنعام:164].

فعلمت أن لكل واحد منهم طريقه في مواجهة الحياة، وأن خلاصها لا يعني خيانة لهم، بل قد يكون نورًا يلهمهم.

كانت تدعو لهم دائمًا:

"اللهم اجعل لهم مخرجًا كما جعلت لي مخرجًا."

بداية الإصلاح

مع مرور الوقت، بدأت آمنة تكتب قصتها، وتحاضر في الجمعيات عن أثر الظلم النفسي داخل الأسرة. كانت تقول:

"القسوة لا تربي، والشتائم لا تصنع رجلاً ولا امرأة صالحة. التربية في الإسلام تقوم على الرحمة، قال رسول الله ﷺ: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء»."

وصل صوتها إلى إخوتها، وقرأوا كلماتها. بعضهم بكى، وبعضهم أحس لأول مرة أن معاناته لم تكن عيبًا فيه، بل نتيجة بيئة قاسية. وهنا بدأت القلوب تلين، وبدأت العلاقة بينهم تتحسن تدريجيًا.

مواجهة الوالدين

لم تنسَ آمنة والديها، لكنها لم تعد تخشاهم. ذهبت إليهما بعد سنوات، وقالت بصوت هادئ:

"يا أبي، يا أمي... أنتما ظلمتمانا نفسيًا، جرحتمونا بالكلام بدل أن تداوونا بالحنان. لكنني لا أكرهكما، فقد علّمتني قسوتكما قيمة الرحمة. وأسأل الله أن يغفر لكما ويصلح قلوبكما."

كان وقع كلماتها شديدًا على سالم وفاطمة. لأول مرة شعرا أن أبناءهما كبروا وباتوا قادرين على المواجهة. جلس سالم صامتًا والدموع في عينيه، وقالت فاطمة بخجل:

"ربما كنا قساة أكثر مما يجب... سامحونا."

الدروس والعبر

خرج الأبناء جميعًا بعبرة عظيمة: أن الظلم النفسي أخطر من الجوع والفقر، لأنه يقتل الروح ويكسر الثقة بالنفس. وأن الإسلام دعا دائمًا إلى العدل والرحمة داخل الأسرة، قال تعالى:

"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" [النساء:19].

"وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ" [البقرة:83].

لكن هذا الإحسان لا يعني السكوت عن الظلم، بل الإصلاح والنصح بالحكمة.

الخاتمة

قصة آمنة وأهلها تذكّرنا أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن التربية بالرحمة تصنع أجيالاً واثقة بالله، بينما القسوة لا تترك إلا جراحًا عميقة.

وهكذا، تحولت جراح آمنة إلى رسالة، ورسالتها إلى نور هدى. فصارت مثالاً حيًا على أن من يخرج من دائرة الظلم بالإيمان والعلم، قد يصبح سببًا في شفاء غيره.

image about الابنة الكبرى و الظلم النفسي
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

11

متابعهم

7

متابعهم

4

مقالات مشابة
-