سرّ برّ عبد الرحمن بوالديه

سرّ برّ عبد الرحمن بوالديه

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

سرّ برّ عبد الرحمن بوالديه

في إحدى القرى الهادئة، كان يعيش فتى اسمه عبد الرحمن، عُرف بين الناس بخلقه الحسن ووجهه المشرق، وكان والده "الحاج إبراهيم" رجلاً كبيراً في السنّ، قضى عمره في خدمة أهل القرية وإصلاح ذات البين، أما والدته "أم سارة" فكانت مثال الأم الحنون التي تُعلّم أبناءها الصبر والرضا بما قسم الله.

منذ صغره، تشرّب عبد الرحمن من بيت أهله معنى البرّ، فقد كان يسمع والده يردد دائمًا قول الله تعالى:

"وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" [الإسراء: 23].

وكانت أمه تروي له قصص الأنبياء، وكيف كان إسماعيل عليه السلام مطيعًا لأبيه إبراهيم حين قال له: "يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ"، فترسّخ في قلبه أن طاعة الوالدين سبيل إلى رضا الله.

بداية الابتلاء

كبر عبد الرحمن، وصار شاباً يافعاً قوي البنية، حسن السمعة، حتى بدأ أهل القرية يثنون عليه قائلين: "هذا الفتى سيكون له شأن عظيم، فهو عاقل بارّ بوالديه". غير أن الأيام لم تخلُ من امتحان، فقد ابتُلي والده بمرضٍ شديد أقعده في الفراش، وصارت أمه ضعيفة لا تقوى على خدمة نفسها.

كان عبد الرحمن حينها قد بدأ عملًا في المدينة المجاورة، يدرّ عليه رزقاً طيباً، لكنه اتخذ قراراً حاسماً: أن يعود للقرية ليخدم والديه. فقال لأصحابه الذين استغربوا:

– "رزقي في خدمة أبي وأمي أعظم من أي مال أجنيه في المدينة".

وتذكر قول النبي ﷺ:

"رِضا اللهِ في رِضا الوالدِ، وسخطُ اللهِ في سخطِ الوالدِ".

صورة البرّ في حياته

منذ ذلك اليوم، صار عبد الرحمن يقوم على خدمة والده ليل نهار؛ يحمل له الدواء، ويُطعمه بيده، ويلاطفه بالكلام. أما أمه، فكان يفرش لها الوسادة، ويُجلسها بجانبه ليُسمعها القرآن، ويقول لها كل صباح: "رضاكِ يا أمّي، هو سرّ بركتي في الدنيا".

لم يكن عبد الرحمن يكتفي بخدمتهما في البيت، بل صار يحمل همهما حتى بين الناس، فإذا خرج إلى السوق وأراد شراء شيء، تذكر ما يُفرح والدته فيأتي به. وإذا جلس بين رفقائه وارتفع صوت النقاش، قال: "أمي لا تحب أن أعود متأخرًا، السلام عليكم". وكانوا يقولون: "عبد الرحمن لا يشبه شباب هذا الزمان".

الاختبار الأكبر

ذات يوم، جاءه عرض عملٍ كبير من تاجر ثري في العاصمة، براتب مضاعف وفرص واسعة. تردّد عبد الرحمن في البداية، لكن قلبه قاده إلى سؤال أمه وأبيه. فقال له والده بصوت ضعيف:
– "يا بُني، إن كان في الأمر خير لك فامضِ، لكننا لا نجد راحتنا إلا وأنت بيننا".

أما الأم، فقد اغرورقت عيناها بالدموع، وقالت:
– "أنا راضية برزق الله، ولا أريد إلا وجودك بجانبي".

حينها ابتسم عبد الرحمن وقال بحزم:
– "إذن قراري اتُّخذ… لن أذهب. فما قيمة المال إن كان على حساب رضاكما؟".

وبذلك ضرب أروع مثال في التضحية من أجل برّ الوالدين، ليصبح حديث الناس: "ترك الدنيا من أجل الجنة".

أثر البرّ في حياته

لم يضيّع الله تعب عبد الرحمن؛ فقد بارك له في تجارته الصغيرة في القرية، فصارت تنمو حتى فاقت ما كان سيجنيه في المدينة. وكان كلما جلس مع والديه، شعر براحة في قلبه لا تعادلها راحة.

وذات ليلة، بينما كان يقرأ القرآن بجوار أبيه، قال له أبوه:
– "يا عبد الرحمن، لولا برّك بنا ما عرفتُ طعم السكينة في مرضي، أسأل الله أن يُسعدك كما أسعدتني".

ثم أضافت أمه:
– "يا بني، لقد دعوتُ لك دعوة الأمّ الملهوفة: أن يرزقك الله الخير حيثما كنت، وأن يجعل أولادك بارّين بك كما بررت بنا".

وبعد سنوات، صار عبد الرحمن أباً، ورأى في أبنائه صورة ما زرعه في حياته، فقد كانوا يتسابقون في خدمته وخدمة أمهم، ليعلم أن البرّ ميراث يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل.

خاتمة القصة

لقد علّمت قصة عبد الرحمن أهل القرية أن البرّ بالوالدين ليس كلمات تُقال، بل أفعال تُترجم في أصعب المواقف. فقد قدّم خدمة والديه على مصالحه الشخصية، ففتح الله له أبواب الخير من حيث لا يحتسب، وأصبح قدوة للشباب في زمنٍ قلّ فيه البرّ.

وهكذا صدق قول الله تعالى:

"وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا" [الأحقاف: 15].

فمن برّ بوالديه عاش سعيداً في دنياه، ووجد الجزاء الأوفى في آخرته.

image about سرّ برّ عبد الرحمن بوالديه
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

11

متابعهم

7

متابعهم

4

مقالات مشابة
-