حين غابت الأم وضاع الأبناء

حين غابت الأم وضاع الأبناء

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

حين غابت الأم وضاع الأبناء

في إحدى القرى الصغيرة، عاشت أسرة مكونة من أب يُدعى "سليم"، وأم تُدعى "هناء"، وثلاثة أطفال صغار: ياسر، ومريم، وأصغرهم آدم. كان الأب رجلاً صالحًا، يسعى إلى العمل بجد ليؤمّن لأسرته قوت يومها، ملتزمًا بصلاته وواجباته، وكان يحلم أن يرى أبناءه يكبرون في طاعة الله، ويعيشون في بيتٍ تغمره السكينة والمودة.

غير أن ما كان يؤرق قلبه هو حال زوجته هناء. فقد كانت منشغلة بالدنيا، تقضي معظم وقتها مع جاراتها في الثرثرة أو أمام شاشة التلفاز، تتفنن في متابعة المسلسلات والبرامج، بينما بيتها يفتقر إلى النظام، وأطفالها يفتقدون إلى الحنان والرعاية. لم تكن تتابع شؤون أبنائها الدراسية ولا تهتم بنظافتهم أو تربيتهم، حتى ملابسهم لم تكن مرتبة.

كان النبي ﷺ قد أوصى بالرحمة والرعاية، فقال: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها". لكن هناء نسيت أو تجاهلت هذا الحديث العظيم، فتخلّت عن دورها كأم وزوجة.

بداية المعاناة

كبر الأطفال وهم يشعرون بالفراغ العاطفي. ياسر، الابن الأكبر، كان يعود من المدرسة متعبًا وجائعًا، فلا يجد طعامًا معدًا ولا كلمة حنان من أمه، فيضطر أن ينام وهو جائع. مريم، البنت الوسطى، كانت تحتاج إلى رعاية خاصة وتوجيه في سلوكها، لكنها لم تجد من يوجهها، فبدأت تتأثر بصديقات السوء. أما آدم الصغير، فكان يفتقد الحنان والاحتضان، فيبحث عنه عند أبيه الذي كان يعود مرهقًا من عمله، لكنه يحاول أن يعوضه بقدر استطاعته.

أما سليم، فقد كان صابرًا محتسبًا، ينصح زوجته مرارًا وتكرارًا، ويذكّرها بواجباتها تجاه بيتها وأولادها، لكن قلبها كان قاسيًا، تظن أن وجودها يكفي لمسمى "أم"، دون أن تدرك أن الأمومة تضحية، ورعاية، وصبر، وعطاء بلا حدود.

اشتداد الأزمة

مرت السنوات، وكبر الأبناء وسط هذا الإهمال. ياسر أصبح شابًا متمردًا، يحمل في قلبه غضبًا على أمه التي لم ترعَه في صغره. كان يقول لها دائمًا: "أمي، أنتِ لم تكوني يومًا ملاذي كما هي الأمهات لبناتهن وأبنائهن".
أما مريم، فقد انجرفت أكثر مع رفقة سيئة، فبدأت تخرج بلا إذن، وتتكلم مع من لا يليق بها، حتى كادت تقع في فخ المعاصي.
أما آدم، فقد صار انطوائيًا، قليل الكلام، يخاف من الناس، لأنه لم يتلقَ الحنان ولا التشجيع في صغره.

بدأ سليم يشعر أن بيته يتفكك أمام عينيه، فأخذ يبكي في جوف الليل ويدعو الله أن يصلح حال زوجته وأولاده. كان يردد قوله تعالى:
﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40].

لحظة التغيير

وذات يوم، حضرت هناء درسًا دينياً في المسجد مع إحدى جاراتها الصالحات. تحدثت الداعية عن مسؤولية الأم في الإسلام، وذكرت حديث النبي ﷺ:
"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
فارتجف قلب هناء، وأدركت أنها بخمولها وإهمالها لن تترك ولدًا صالحًا يدعو لها بعد موتها، بل قد تترك أبناءً ضائعين يحملون في قلوبهم جروحًا عميقة.

عادت هناء إلى بيتها وهي تبكي بحرقة، فنظرت إلى أطفالها، فرأت آثار الإهمال واضحة في ملامحهم: الحزن في عيون ياسر، التمرد على وجه مريم، والانكسار في قلب آدم. أحست أن سنوات عمرها ضاعت وهي غافلة.

التوبة والإصلاح

في تلك الليلة، جلست هناء مع زوجها باكية، واعترفت له بتقصيرها، ووعدته أن تبدأ صفحة جديدة. فرح سليم بكلامها، لكنه كان متخوفًا من أن يكون مجرد وعد عابر. غير أن هناء أثبتت صدق توبتها، فبدأت منذ اليوم التالي تغير كل شيء.

استيقظت مبكرًا، جهزت الفطور لأبنائها، وأرسلتهم للمدرسة بابتسامة ودعاء. جلست مع مريم لتحدثها عن الحياء والعفة، وروت لها قصص الصحابيات الجليلات، مثل أسماء بنت أبي بكر وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما. ومع ياسر، بدأت تتقرب منه وتستمع لشكواه وهمومه، حتى شعر لأول مرة أن له أمًا تحتويه. أما آدم، فكانت تحتضنه كل يوم وتقبّله، حتى بدأ الطفل يبتسم من جديد.

أثر الإصلاح

لم يكن التغيير سريعًا، لكنه كان واضحًا. تحسنت نتائج ياسر في دراسته بعدما وجد من يشجعه. مريم بدأت تبتعد عن رفقة السوء بعدما شعرت بوجود أم تهتم بها وتوجهها. أما آدم، فقد أصبح أكثر جرأة وثقة بنفسه.

سليم نفسه وجد في البيت سكينة لم يعرفها من قبل، فأصبح يشكر الله كل يوم أن هدى زوجته، وكان يردد قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان: 74].

العبرة من القصة

هذه القصة تذكّرنا بأن الأم ليست مجرد اسم، بل هي مدرسة كما قال الشاعر:

الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبًا طيب الأعراق

فإهمال الأم يدمّر الأبناء ويهدم البيوت، أما قيامها بدورها فهو عبادة عظيمة تؤجر عليها، وسبب لبناء أجيال صالحة. كما أن الزوجة مسؤولة أمام الله عن زوجها وبيتها وأولادها، وسيُسأل كل إنسان عن رعيته يوم القيامة.

الخاتمة

الإهمال الأسري قد يهدم البيوت ويفسد الأجيال، لكن التوبة والعودة إلى الله كفيلة بأن تعيد الحياة للقلوب، وتحوّل بيتًا مضطربًا إلى بيت عامر بالمحبة والإيمان.

image about حين غابت الأم وضاع الأبناء
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

13

متابعهم

7

متابعهم

4

مقالات مشابة
-