قصة الفتاة التي نسيت نفسها

قصة الفتاة التي نسيت نفسها

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

قصة الفتاة التي نسيت نفسها

البداية:

 قلب معطاء

في إحدى القرى الصغيرة عاشت فتاة تُدعى سارة، اشتهرت بين الناس بصفاء قلبها وصدق نيتها. كانت دائمًا أول من يمد يد العون لكل محتاج؛ تساعد الأرامل، تزور المرضى، تفرح مع السعيد وتبكي مع الحزين.
كبرت سارة على مبدأ واحد أخذته من حديث رسول الله ﷺ: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس"، فآمنت أن قيمتها الحقيقية تكمن في إسعاد الآخرين.

لكنها لم تكن تدرك أن العطاء دون حدود، إذا لم يُرافقه توازن، قد يرهق الروح ويُطفئ النور الداخلي.


 حياة في خدمة الآخرين

كانت سارة تعمل في النهار وتخصص ما تكسبه لمساعدة جارتها الأرملة. في المساء تعود مرهقة لكنها لا تتأخر عن تعليم أطفال الحي دروسهم مجانًا. وفي الليل، تُطيل السهر لتخيط ثيابًا قديمة وتوزعها على الفقراء.

حتى والدتها كانت تقول لها:

"يا ابنتي، لا تنسي نفسك، فالجسد له حق، والروح لها حق".

لكن سارة كانت تبتسم وتقول:

"أما قرأتِ قول الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}؟ أنا أعيش لهذا المعنى."

غير أن مع مرور الأيام، بدأ التعب يتسلل إلى جسدها، وبدأ قلبها يشعر بالفراغ. كانت تُعطي الجميع وقتها، لكنها لم تترك وقتًا لتهتم بنفسها أو لتجلس مع ربها بخشوع طويل.


الإرهاق الخفي

في إحدى الليالي، عادت سارة من بيت مريضة في القرية، وجلست على فراشها منهكة. أغمضت عينيها وهي تشعر بثقل كبير على صدرها. همست في نفسها:

"أشعر أنني فارغة… أساعد الجميع، لكنني نسيت أن أسأل نفسي: من يساعدني؟"

بدأت تشعر باضطراب في قلبها؛ صارت تبكي بلا سبب، تضحك مع الناس لكنها تنفرد بنفسها لتجد دموعها تنهمر.

في صلاة الفجر، سجدت وبكت بحرقة، وقالت:

"يا رب، إنني سعيت لرضاك بخدمة خلقك، لكنني أرهقت نفسي… دلّني على الصواب، علّمني كيف أرضيك دون أن أنسى نفسي."


 لقاء غير متوقع

في اليوم التالي، ذهبت سارة لزيارة المسجد حيث حضرت درسًا عن فقه الأولويات. كان الشيخ يشرح قول النبي ﷺ:
"إن لربك عليك حقًا، وإن لنفسك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، فأعطِ كل ذي حق حقه."

تأثرت سارة كثيرًا، وكأن الحديث وُجه إليها شخصيًا. أدركت أن حبها للخير صحيح، لكن طريقتها كانت ناقصة. فهي أعطت كل شيء للناس، لكنها حرمت نفسها من الراحة والعبادة المتزنة.

بعد الدرس، اقتربت منها امرأة كبيرة في السن، وقالت:

"يا ابنتي، الخير لا يكتمل إلا إذا بدأ من الداخل. اعتني بنفسك، تغذي قلبك بالقرآن، وروحك بالراحة، ثم امدي يدك للآخرين بقوة أكبر."

شعرت سارة أن كلماتها كانت رسالة من الله إليها.


 التغيير الجميل

بدأت سارة تعيد ترتيب حياتها. خصصت وقتًا يوميًا للجلوس مع القرآن، وأصبحت تذهب للمسجد للفجر جماعة، وأعطت جسدها حقه من الراحة. لم تتوقف عن مساعدة الآخرين، لكنها تعلمت أن العطاء المتوازن أجمل.

كانت تقول لمن يسألها:

"تعلمت أنني لا أستطيع أن أضيء قلوب الناس وأنا قلبي مطفأ. عليّ أولًا أن أملأ نفسي بالإيمان والطمأنينة، ثم أعطي بصدق دون أن أنهك."

صار الناس يلاحظون أن ابتسامتها أصدق من قبل، وعطاءها أكثر أثرًا. لأنها لم تعد تعطي من فراغ، بل من قلب ممتلئ بحب الله ورضاه.


 الحكمة المستخلصة

مرت الأعوام، وأصبحت سارة قدوة للفتيات في قريتها. صارت تعلمهن أن العطاء لا يعني إهمال الذات، وأن أجمل معاني الإسلام هي التوازن بين حق النفس وحق الغير.

وفي إحدى الجلسات، خاطبت صديقاتها بقولها:

"تعلمت درسًا عظيمًا: أن خدمة الناس باب عظيم للجنة، لكن الطريق لا يكتمل إلا إذا اهتممنا بقلوبنا وأرواحنا. فالروح إذا ضعفت، ضَعُف العطاء."

ابتسمت ورفعت يديها قائلة:

"اللهم اجعل عطائي خالصًا لوجهك، وأعني على نفسي كما أعنتني على الناس."


الخاتمة

هكذا انتهت قصة سارة، الفتاة التي ظنت أن نسيان نفسها طريق للجنة، حتى علمت أن الإسلام دين التوازن والاعتدال. فمن عرف حق نفسه، استطاع أن يعطي الناس أكثر، ومن ملأ قلبه بالإيمان، استطاع أن يضيء قلوب الآخرين.

وهكذا تكون العبرة: أن العطاء الحقيقي يبدأ من الداخل، وأن النفس التي تهتم بذكر الله هي أقدر على إسعاد الخلق.

image about قصة الفتاة التي نسيت نفسها
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

20

متابعهم

11

متابعهم

4

مقالات مشابة
-