قصة "الآباء الغافلون والجدود الصابرون"

قصة "الآباء الغافلون والجدود الصابرون"

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

قصة "الآباء الغافلون والجدود الصابرون"

في إحدى القرى الصغيرة عاش رجل يُدعى سليم وزوجته منى. كانا يعيشان حياة مرفهة بفضل مال وفير ورثه سليم عن والده، إضافة إلى راتب ثابت من عمله في التجارة. أنجبا أربعة أبناء، وكان يُظن أن وجودهم سيملأ البيت دفئًا وحبًا ومسؤولية. غير أن سليم ومنى لم يعرفا من معنى الأبوة والأمومة إلا الاسم.

كانا يظنان أن التربية مجرد مصاريف: ثياب جديدة، ألعاب غالية، وأقساط مدرسة خاصة. لكنهما لم يُدركا أن الأبناء يحتاجون أكثر من المال؛ يحتاجون الحنان، العناية، الوقت، والتوجيه. ومنذ ولادة الطفل الأول حمّلا الجد والجدة المسؤولية، بحجة أن لديهما "خبرة" وأنهما "أقدر على التعامل مع الأطفال".

🏡 الجد والجدة.. قلبان كبيران

الجد عبد الرحمن وزوجته خديجة كانا قد كبُرا في السن، وأرهقتهما الحياة. لكن عندما رأيا أحفادهما بين أيديهما، لم يترددا في حمل الأمانة. ففتحا قلبيهما وبيتهما لهم، يطعمانهم، يلبسانهم، يساعدونهم في الدراسة، ويعلمونهم الصلاة وذكر الله.

غير أن قلوب الأطفال الصغيرة كانت تتساءل:
– "أين أبي؟ لماذا لا يلعب معنا؟"
– "لماذا أمي لا تقص علينا القصص مثل جدتي؟"

لكن الأب والأم كانا مشغولين بالسفر والترفيه. تارة في رحلات خارج البلاد، وتارة في الولائم والحفلات. كلما سأل الجد عبد الرحمن ابنه سليم:
– "يا بني، أولادك يحتاجونك، اجلس معهم، علمهم، احتضنهم."
كان يرد ببرود:
– "يا أبي، أنتم تقومون بالمهمة على أكمل وجه، وأنا أرسل المال بانتظام، فما المشكلة؟"

📚 معاناة الأحفاد

كبر الأبناء في حضن الجد والجدة، لكنهم كانوا يشعرون بفراغ عاطفي كبير. في المدرسة كانوا يرون زملاءهم يتحدثون بفخر عن آبائهم وأمهاتهم، وكيف يأتون لاصطحابهم بعد الدراسة أو يحضرون حفلاتهم. أما هؤلاء الأطفال فكانوا يخرجون وحدهم أو مع جدهم العجوز الذي يجر خطواته بصعوبة.

كان الابن الأكبر إياد يحاول إخفاء حزنه لكنه في الليل يبكي بحرقة، فقد كان يتمنى أن يشرح له والده درس الرياضيات أو أن يحضر والدته اجتماع أولياء الأمور. أما الصغيرة مريم فكانت تلصق رأسها على كتف جدتها وتقول:
– "جدتي، هل أنا لست جميلة بما يكفي حتى لا تحبني أمي؟"

فترد خديجة والدموع في عينيها:
– "لا يا ابنتي، أنتم أغلى ما نملك، لكن بعض القلوب تُغلفها الغفلة، فاصبري وادعي الله أن يهدي والديك."

🌙 لحظة اليقظة

مرت السنوات، وكبر الأحفاد، وكبر معها جهد الجد والجدة. وفي إحدى الليالي مرض الجد عبد الرحمن مرضًا شديدًا ألزمه الفراش. هنا وجد الأبناء أنفسهم أمام صدمة كبيرة، فقد أدركوا أن السند الحقيقي لهم كان جديهم، لا والديهم.

في تلك اللحظة بدأ الأبناء يبتعدون عن أبيهم وأمهم أكثر، وقلّ احترامهم لهما، لأنهما لم يزرعا في قلوبهم الحب ولا القدوة. بل حتى عندما حاول سليم أن يقترب منهم وجد قلوبهم باردة.

وفي يوم الجمعة، خطب الإمام في المسجد عن قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ [التحريم:6]

وشرح كيف أن مسؤولية الأبناء ليست مجرد مال، بل تربية على الدين والأخلاق، ورعاية وحب. شعر سليم أن الآيات والحديث كلها تخاطبه هو. عاد إلى بيته وقلبه يرتجف.

🕊 التوبة والعودة

جلس مع والده المريض وقال له والدموع تنهمر:
– "اغفر لي يا أبي، أرهقتك بحملي، وتركتك تؤدي واجبي. كنت أظن أن المال يكفي، ولم أفهم أن التربية أمانة."

ابتسم الجد رغم ضعفه وقال:
– "يا بني، ما زال في العمر بقية. أدرك أبناءك، قبل أن يكبروا على غير هدى. المال يزول، أما التربية فباقية."

منذ ذلك اليوم تغير سليم ومنى. بدآ يقضيان الوقت مع الأبناء، يحاورونهم، يعلمونهم، ويخرجون معهم. كانت البداية صعبة، لأن الحواجز النفسية كانت كبيرة، لكن بالدعاء والصبر بدأت الجدران تنهار.

🌟 العبرة

تعلم سليم أن الأبوة ليست راتبًا يُحول، ولا هدية تُشترى، بل هي قلب يحتضن وعقل يوجه وروح تُعلّم. وفهم أن ترك الأبناء دون تربية ورعاية هو نوع من الظلم الذي سيحاسب عليه أمام الله.

أما الأبناء فتعلموا أن الله عوضهم بجديهم الصالحين، وأن برّهما واجب مثل الوالدين.


الخاتمة

إن هذه القصة تذكرنا بقول النبي ﷺ:

"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته"

فالأب والأم راعيان لأبنائهما، لا يكفي أن يصرفا المال ويتركا التربية للآخرين. فالتربية مسؤولية، وهي أعظم من أي نفقة مادية.

وعلينا أن ندرك أن الأبناء لن يتذكروا كم أنفقنا عليهم من مال، بل سيتذكرون كم أعطيناهم من وقت وحب ورعاية.

image about قصة
التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

21

متابعهم

11

متابعهم

4

مقالات مشابة
-