انما  يبتليك الله ليطهّرك لا ليعذّبك ... حين يكون الألم طريقًا إلى النور

انما يبتليك الله ليطهّرك لا ليعذّبك ... حين يكون الألم طريقًا إلى النور

تقييم 0 من 5.
0 المراجعات

 

هل مرّ بك يوم شعرت فيه أن البلاء أثقل من أن يُحتمل؟
أنك تسأل نفسك: "لماذا أنا؟ ولماذا كل هذا الألم؟"
لكن الحقيقة التي يغفل عنها الكثيرون أن البلاء ليس عقوبة، بل تربية ورحمة من الله عز وجل.
قال الله تعالى:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].

وفي الحديث الشريف، قال النبي ﷺ:

"إذا أحبَّ الله عبدًا ابتلاه" (رواه الترمذي).

فما يراه العبد ألمًا، قد يكون في باطنه دواءً، وما يظنه خسارةً، قد يكون فيه أعظم مكسب… مكسب الطهر والقرب من الله.

الابتلاء: سنة ربانية لا تُستثنى منها نفس

الابتلاء ليس علامة غضب، بل امتحان محبة.
كل نبي، وكل صالح، وكل مؤمن صادق مرّ بدائرة البلاء، ليُصفّى قلبه ويُطهَّر من شوائب الدنيا.
قال تعالى:

﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ [العنكبوت: 2].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

“الابتلاء يميز بين الصادق والكاذب، وبين المؤمن والمنافق، ويُطهّر القلوب من التعلّق بغير الله.”

الابتلاء ليس انتقامًا بل تربية

كالأب الذي يُؤدب ابنه لا ليعاقبه، بل ليهذّبه ويقوّمه.
قال تعالى:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ﴾ [النساء: 147].

فالله لا يعذب عباده بلا سبب، بل يبتليهم ليطهرهم، ويرفع درجاتهم.
قال ﷺ:

"ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة" (رواه الترمذي).

الابتلاء يطهّرك من الذنوب كما تُنقّى الثياب البيضاء من الدنس.

أنواع الابتلاء

ابتلاء لتكفير الذنوب:
وهو ما يُصيب المؤمن جزاءً لأخطائه، ليمحو الله بها سيئاته.
قال تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 30].
ولكن رحمته تتجلى في تتمة الآية:
﴿وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ 

ابتلاء لرفع الدرجات:
كابتلاء الأنبياء والصالحين، يزدادون به قربًا من الله.
قال ﷺ:

"أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل" (رواه البخاري).

ابتلاء لعودة الغافل:
فقد يُرسل الله الألم تنبيهًا لمن غفل، ليعود إلى الطريق.
قال بعض السلف:

“إن الله يبتلي العبد ليسمع تضرّعه.”

البلاء رسالة حب من الله

تخيّل أن الله يراك تبتعد، فيرسل لك بلاءً ليعيدك إليه!
أليس هذا رحمة خفية؟
قال تعالى:

﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ﴾ [الذاريات: 50].
والابتلاء من أعظم أسباب الفرار إلى الله، إذ يكسِر الغرور ويُرجع القلب إلى موطنه الطبيعي: التوكل والخضوع.

قال ابن الجوزي:

“إذا أراد الله بعبد خيرًا سقاه دواء البلاء حتى يطهره من الأدواء.”

علامات أن ابتلاءك رحمة لا عذاب

قلبك ما زال يذكر الله رغم الألم.

لا زلت تتمنى الخير للناس رغم ضيقك.

تزداد صلاتك وإقبالك على القرآن في الشدة.

تجد في البلاء طمأنينة لا تفسير لها إلا القرب من الله.

قال تعالى:

﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: 156].
ثم قال بعدها مباشرة:
﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ﴾ [البقرة: 157].

أي أن من صبر ورضي، نال الرحمة لا العقوبة.

image about انما  يبتليك الله ليطهّرك لا ليعذّبك ... حين يكون الألم طريقًا إلى النور
رجل مسلم يجلس داخل مسجد تتسلل إليه أشعة النور، تعبيرًا عن الطمأنينة بعد الابتلاء، وعن يقين أن الألم طريق إلى رحمة الله وتطهير القلب.

كيف تتعامل مع البلاء لتنال التوفيق؟

بالصبر الجميل
قال ﷺ:

"عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير... إن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر" (رواه مسلم).

بالرضا والتسليم
الرضا ليس استسلامًا، بل يقين أن الله يدبّر الخير في الخفاء.
قال ابن عطاء الله السكندري:

“من ظن أن الرحمة في المنع دون العطاء فقد جهل.”

بالدعاء في الخفاء
قال تعالى:

﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: 55].
الدعاء في البلاء يفتح أبواب الفرج ويبدل الحزن طمأنينة.

نماذج من بلاءات الأنبياء

أيوب عليه السلام:
صبر على المرض سنوات، وقال:

﴿رَبِّ إِنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ [الأنبياء: 83].
فجاءه الشفاء والبركة.

يوسف عليه السلام:
سُجن ظلمًا، ثم خرج عزيزًا مكرمًا، ليقول في النهاية:

﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [يوسف: 90].

النبي محمد ﷺ:
فقد أحب الناس إليه، وطُرد من وطنه، لكنه قال:

"إن مع العسر يسرًا" [الشرح: 6].

حين ترى البلاء بعين الإيمان

عندما تنظر إلى ابتلائك كوسيلة تطهير لا عقوبة، يتحول الألم إلى قوة، والدمع إلى نور.
قال تعالى:

﴿عَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216].

وقال الإمام الشافعي:

“قد ينعم الله بالبلاء وإن عظُم، ويبتلي الله بالنعمة وإن كبرت.”

فالبلاء ليس النهاية، بل بداية لطريق النور والتقرب إلى الله.

خلاصة المقال

الابتلاء ليس عقوبة بل تطهير ورحمة، يختبر الله به صدق الإيمان، ويرفع به الدرجات، ويفتح به أبواب الخير المخبأة.
وكل ألم في سبيل الله يُثمر طمأنينة وسكينة.
فاصبر، وابتسم، فالله يُحب الصابرين.

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة
المقالات

206

متابعهم

65

متابعهم

6

مقالات مشابة
-