تفسير الآية ١٨٠ إلى ١٨٩ من سورة البقرة

 

 

 

 

https://youtu.be/Xf2FRWjrSvk?si=-7UorcnrLTqxdSvb

 

 

https://youtu.be/6fDGjZBdTcs?si=-DrOdLxcyn7rl0ht

 

 

https://youtu.be/XNu1tan18l4?si=kclP6iXwsGNYaXcS

 

 

https://youtu.be/xS7PfA7C7R8?si=oWxxkm2SsR44dFne

 

 

سورة البقرة آية ١٨٠ : ١٨٩

{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (180) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الذين يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( 181 ) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ(   182 ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}

 

تفسير الآية ١٨٠ إلى ١٨٩ من سورة البقرة

نبدأ بتفسير الآية ١٨٠ إلى ١٨٢ من سورة البقرة

 

الآيات تتحدث عن الوصية، وقد نسخت لأنها جاءت قبل آية الميراث، وفيها يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بكتابة وصيته إذا أحس المؤمن باقتراب الموت، ولأن الموت ليس له أجل مسمى ويأتي أحياناً بلا أسباب ولا مقدمات ولا أعمار محددة، فالمقصود بها أن يسارع المؤمن إلى كتابة وصيته قبل أن يفاجئه الموت. وهذه الوصية، إذا ترك المؤمن مالاً فعليه أن يوزع جزءاً منه على والديه وأقاربه، وهذا حق من يتقي الله، أي من يتقي عذاب الله.

 فمن غيّر الوصية التي أوصى بها المتوفى بنفسه فقد برئ الموصي، أما من سمع الوصية لأن الوصية مسموعة، ومن سمعها وخالف الوصية التي أقيمت على العدل فإنه يأثم ويعاقب أشد العقاب يوم القيامة على تغييرها لأن الله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فكيف بالوصية التي تكون بين طرفين والله تعالى يسمعهما لأن الله سميع عليم

ولكن من أراد الإصلاح وخاف من الموصي الجور -أي الجور الذي يؤدي إلى ضياع الحقوق- فإن جاء من يسعى في الخير ليرد الوصية إلى الصواب ويغير الوصية ليبدلها بالصواب الذي يرضي الله فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم.

 

تفسير الآيات ١٨٣ إلى ١٨٧ من سورة البقرة

الآيات تتحدث عن الصيام، فالله تعالى فرض الصيام لأن كلمة (كتب) أي أن الله تعالى فرض هذا الأمر، وفي الآية نداء من الله للمؤمنين، وهو نداء للمحبي

 

 وكأنه يقول: (يا أيها الذين آمنوا بي وأحبوني كتب عليكم الصيام)، والمؤمنون يأخذون خطاب الحق إليهم بحسب مدى حبهم لكل ما يأتيه سبحانه من حيث تكليفهم، فالصيام يعني الإمساك، أما الصيام الشرعي فيعني الصيام عن شهوات البطن والفرج من طلوع الشمس إلى غروبها، فالصيام وسيلة لتثقيف الإنسان بالأديان، ولو اختلف عدد الأيام، ولو اختلفت طريقة الصيام.  ومن أطاع الله تعالى فيما فرض الله تعالى وفي كل شيء فقد جعل بينه وبين غضب الله وعقابه حجاباً، ويوضح لنا الله تعالى أن الصيام يكون في أيام محددة معلومة 

شهر رمضان هو شهر الصيام الذي فرضه الله على الناس، فأنزل فيه القرآن أولاً من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر مرة واحدة، ثم نزلت الآيات على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب الموقف الذي مر به النبي صلى الله عليه وسلم، لتعليم الناس

 وتعريفهم بالآيات والدلائل التي تعرفهم على الله عز وجل وتهديهم إلى طريق الله ورضوانه وجنته من خلال تنفيذ أوامر الله كلها بالحق واجتناب ما نهى الله عنه من المنكر في القرآن الكريم الذي يفرق بين الحق والباطل، ومن اتبعه عاش على نور الإيمان، فالله عز وجل يأمر المؤمنين بالصيام عند رؤية هلال رمضان، لأن الأشهر الهجرية تحسب من طلوع الهلال إلى طلوعه، فمن رأى هلال رمضان صام، وطبعاً في كل بلد الجهات المسؤولة عن رؤية الهلال ترى الهلال ويصوم جميع المؤمنين.

  أما من كان مريضاً أو مسافراً فلا يصوم وهو مريض ولا يصوم يوم سفره أي أثناء سفره، فإذا شفاه الله أكمل رمضان ثم أحصى الأيام التي أفطرها وصامها بعد رمضان، لأن الله يريد اليسر للمؤمنين ولا يريد العسر للمؤمن، فنحمد الله ونحمده على فضله علينا بصيام رمضان، وبعد ذلك يأتي عيد الفطر الذي يحتفل فيه المؤمنون بنصرهم بصيام رمضان الذي يبدأ بتمجيد الله والثناء عليه وشكره.

يقول الله تعالى لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إذا سألوه عن الله فأخبرهم أن الله قريب من المؤمن الذي يدعو الله.

يجيب الله من يدعوه فليستجيبوا لله  وليؤمنوا بالله تعالى وإذا دعوة وفقهم الله لحل مشاكلهم ووفقهم الله للخير وأجاب دعائهم.  وبعد أن ذكر لنا الحق آداب الدعاء وخلطه وإدخاله في الصيام، بين لنا آداب التعامل بين الزوجين أثناء الصيام، وعلمنا أن الصيام هو الامتناع أثناء النهار عن شهوات البطن وشهوات الفرج، كما أباح الله تعالى ما حرم أثناء الصيام تيسيراً على المؤمنين، فأباح الله الجماع بين النساء ليلة الصيام تخفيفاً ورحمة من الله، لأنهن ستر لبعضهن بعضاً

 ولأن الله علم أنهن يخونن أنفسهن، قبل توبتهن فغفر لهن وحدد لهن وقتاً للامتناع عن الطعام والعورة حتى يتبين لهن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، وأكملن الصيام حتى لا يقترب غروب الشمس الذي هو أول طلوع الليل، ولا يكون الجماع في المساجد، وهذه حدود الله، أمر من الله للمؤمن أن لا يقربها، وهذه الآيات واضحة لمن فهم.

 

تفسير الآية 188 من سورة البقرة

الآية تتحدث عن أكل المال الحرام وتخاطب الجميع لأن المال بشكل عام قاسم مشترك بين الناس وبعضهم البعض، فنجد في هذه الآية والآيات التي سبقتها وكذلك الآيات التي ستأتي أن الله وضع ضوابط في كل قضايا المجتمع كما سبق ذكره من ضوابط تحريم بعض الأشياء في نهار رمضان، ثم يتقدم الأمر إلى إباحة الله لبعض ما كان محرماً من قبل تدريجياً وضوابط فيما أحل لنا وحرم علينا، وكذلك الآيات التي سبقتها عن معرفة الحلال والطيب من الطعام حتى نأكله والحرام حتى نتجنبه وما سبقتها عن معرفة البر

 وهذه الآية تكمل ضوابط تعامل المجتمع مع المال، حيث نهى الله تعالى فيها عن أكل المال الحرام واستعمال كلمة (أكل) بالمال لأن المال والأكل يساعدان الجسم على الحركة واستمرار الحياة والنمو. 

 الطعام ينمي الجسم، والمال ينمي الإنسان بالانتفاع به ويحيي الحياة بشكل عام، والمال الحرام يؤدي إلى كل هذا، لكنه ينمي في الإنسان الجشع والطمع والمزيد من السلوك الذي لا يرضي الله من أجل الحصول على المال، بأي طريقة محرمة، والمحرم علينا أن يسرق الإنسان، أو يستولي على المال، أو يخطفه، أو يأخذ رشوة، أو يعطي رشوة، أو يخون الأمانة التي اؤتمن عليها

 وكذلك لا ينبغي له أن يرشي الحكام ليحكموا لصالحه بغير حق من أجل الحصول على مال أو منصب أو إضاعة حق شخص آخر والاستيلاء عليه بغير حق على حساب الآخرين، وأيضاً “من عمل عملاً لا يرضاه الله فإنه يأكل المال” ظلما، ويضع المال الحرام في بطنه وبطون من يعولهم

 

 ويتحججون بأن الحياة صعبة وتعتمد على هذا العمل ويصعب الاستغناء عنه، كل هذا يفسد المجتمع ويفرقه.  إن الله يريد أن تكون حركة حياتنا حركة نظيفة شريفة شريفة، فلا يدخل إلى بطنك إلا ما عرقت من أجله، ويأخذ كل إنسان حقه.

ويجب أن نلاحظ أنه ما دام الأمر والنهي من الله تعالى، وقد حرم الله أكل المال الحرام، فإن المؤمن الذي يعوله المال الحرام يجب أن يقف في وجه من يعوله ولا يأخذ من ماله، ويجب على المؤمن أن يحذر من كل من يأكل المال الحرام

كالسرقة والاحتيال وخيانة الأمانة وغيرها من الأمور التي تغضب الله

ويجب أن يحذرهم من أن العاقبة عذاب جهنم، ويجب ألا يتبعوا هؤلاء أو يستمعوا إلى مبرراتهم مهما كانت المبررات لأنهم يفعلون هذا المعصية وهم يعلمون أنها محرمة

 

تفسير الآية 189 من سورة البقرة

تبدأ الآية بسؤال من العرب عن هلالها، ونقصد الهلال الذي يظهر كل شهر، فيخبرنا الله تعالى أن هذا الهلال وقت للناس والحج، ولكن له فوائد أخرى، ولكن الله تعالى يرد علينا بما ينفعهم فقط ولا يدخل في تفاصيل لا تعنيهم، فالهلال هو ما نعرف به بداية كل شهر، وهو أيضا ما يقاس به الوقت والحج، فمثلا إذا أردنا نحن في مصر الحج نبدأ الإحرام من رابغ وقت أهل مصر

 

أي هو المكان الذي يحرم منه المصري سواء صباحا أو ظهرا أو عصرا أو غروبا.  في هذه الحالة نجد أن المكان هو الذي يتحكم في الزمان ويحدد أوقات الصيام في العالم أجمع، وأحياناً يتحكم الزمان والمكان في الفعل، مثل يوم عرفة،  فإن عرفة هي مكان وقوف الحجاج في عرفة، وأيضاً في يوم عرفة يكون الصيام لغير الحجاج. كل شيء في الكون له نظام، فالشمس لها كواكب، والقمر له منازل، والنجوم لها مواقعها. 

وقد أعطانا الله بعض الأسرار عن الأهلة، وهي أوقات الناس والحج. وكانت هناك قبائل عربية متشددة في دينها ومتحمسة له، منها قريش وكنانة وخثم وجشم وبنو صعصعة بن عامر، وكان الشخص منهم إذا حج لا يدخل بيته من الباب لأنه أشعث اغبر من أداء مناسك الحج.  أي أن هذا الشخص يظهر ضعيفاً غير مهندم، ويحاول أن يدخل بيته على غير عادته، فيدخل من خلف البيت، وهذا تطرف منهم يرونه عدلاً، أراد الله تعالى أن يبين أن هذا الفعل ليس عدلاً لأن الله لم يشرعه، بل المطلوب من المؤمن أن ينفذ أمر الله من دون أن يزيد أو ينقص مما شرعه الله. 

 ويعلم الإنسان أن البر هو التقوى،  و تعريف التقوى أن يزرع الإنسان الخير والعمل الصالح ويتبع جميع شرائع الله وسنة نبيه ويطبقها بلا جدال ولا زيادة ولا نقصان، وينفذ أمر الله محبة لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وحماية من غضب الله وعقابه، وتجنب المشاكل والأخطار التي تنشأ عن معصية منهج الله ومرضاة الله، وجنته هي حصاد ما يزرعه المؤمن من الخير والنجاح بتقواه لله تعالى.