تفسير الآية ١٩٠ : ١٩٥ من سورة البقرة

https://youtu.be/2RvcQEMkqdY?si=ndujdhv571PNxiw6
البقرة آية ٩٠ : ٩٥
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193) الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}
۞۞۞۞۞۞۞
تفسير الآية ١٩٠ : ١٩٥ من سورة البقرة
الآيات تتحدث عن الجهاد في سبيل الله، ومن أسباب أمر الله بالجهاد في سبيل الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يؤدي العمرة في شهر ذي القعدة في السنة السادسة من الهجرة، فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بأداء العمرة والاستعداد لدخول المسجد الحرام، والحلق والتقصير، فلما ذهبوا إلى موضع يقال له الحديبية، وهو على بعد عشرين متراً من مكة، وقفت قريش أمامهم وفاوضتهم على منع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أداء العمرة، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حزينين. فغضب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ألست برسول الله؟ ألست على الحق؟ فرد عليه سيدنا أبو بكر معاتبا إياه: سيدنا عمر رضي الله عنهما يا عمر رسول الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة: هلك المسلمون يا أم سلمة، أمرتهم فلم يطيعوا. فقالت أم سلمة لرسول الله: افعل ما أمرك الله به ولا تكلم أحدا منهم الآن واعذرهم يا رسول الله. فحزنوا وحزنت قلوبهم، فقد اشتاقت نفوسهم إلى دخول بيت الله الحرام، والحلق والتقصير، ثم منعوا من زيارة بيت الله الحرام وهم على بعد أمتار منه. فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصيحة أم سلمة وفعل ما أمره الله به، واتبعه المسلمون كافة، وانتظر المسلمون العام المقبل، ولكن المؤمنين خافوا أن تنقض قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتمنعهم من أداء العمرة مرة أخرى.
ولذلك أمر الله تعالى المؤمنين بالجهاد في سبيل الله والقتال في سبيل دينهم ضد المشركين الذين قاتلوهم، ولكن لا يبدؤون بالعدوان، ولا يزيدون في العدوان، ولا يظلمون، لأن الظلم أخذ فوق الحق، والله لا يحب الظالمين. والمقصود أن يأخذوا حقهم من المشركين بلا نقصان ولا زيادة، لأن الله لا يحب المعتدين، فلا يعتدون ولا يردون العدوان إلا إذا اعتدى المشركون بالعدوان، والقتال في أي مكان يوجب على المسلمين رد العدوان بالمثل.
إذا أخرج المشركون المسلمين وجب على المسلمين أن يردوا العدوان بالمثل، وهو إخراج المشركين، وقد أعطى الله المسلمين الفرصة أن يردوا العدوان بالعدوان حتى لا يفتن المؤمنون في دينهم، وقد فتن المشركون المسلمين في دينهم بتعذيب المسلمين حتى ارتدوا عن دينهم،
فأمر الله المؤمنين أولاً بالسلم، ونهى الله تعالى عن القتال في الأشهر الحرم، كما حرم القتال عند المسجد الحرام وفي حال الإحرام، ولكن المشركين استغلوا هذا النهي وهذه الفرصة حتى يفتنوا المؤمنين ويعذبوهم.
..
ولأن الله تعالى هو الرحمن للعالمين والرحيم بالمؤمنين فقد أعطى للمسلمين الحق في رد العدوان على أعداء الإسلام إذا اعتدوا، وهذا جزاء الكافرين، ولأن الله غفور رحيم فإنه يأمر المسلمين بوقف القتال إذا انتهى العدوان بالقتال، لأن الله لا يأمر بالعدوان ولا بالعدوان إلا على الظالمين المشركين، وأول درجات الظلم ظلم الكافر لنفسه لأنه ينكر نعم الله عليه وهو الذي سبب عذاب نفسه في النار، وكذلك الظلم هو ظلم حقوق الآخرين، والظلم أيضاً هو العدوان على الآخرين، فإذا كان القتال والعدوان من المشركين في الشهر الحرام فقد أباح الله الرد على العدوان في نفس الوقت الذي اعتدوا فيه على المسلمين، وعلى المسلمين أن يأخذوا في الاعتبار في الرد على العدوان أنه أمر الله تعالى. ولابد من تقوى الله وتنفيذ أوامر الله حتى لا يكون فيها ظلم ولا جور.
واستكملت الآيات متطلبات الجهاد في سبيل الله فبعد
آيات القتال، وهي رد العدوان بالعدوان مثله في كل شيء، وهي مكملة للجهاد في سبيل الله، فأمر الله المؤمنين أن يجهزوا أنفسهم للقتال في سبيل الله، أي أن يجهزوا لعدو الله الذي يقاتل المؤمنين حتى لا ينتشر الدين، فلا بد من الاستعداد له بتخصيص الأموال والعتاد حتى ينفقوها في الجهاد في سبيل الله ونصرة الدين، لأن اليد التي لا تنفق في سبيل الله هي التي تلقي بصاحبها في الهلاك، لأن امتناع المؤمن عن الإنفاق في الجهاد في سبيل الله يجعل العدو جريئا على المؤمن، وما دام العدو جريئا على المؤمنين فإنه يغريهم في دينهم، وإذا غريهم في دينهم فإنهم هلكوا، فإذا رآكم العدو أقوياء خاف منكم وانسحب من قتالكم، ولابد من موازنة الأمور بحذر، لأن الشجاعة لمجرد أنه يريد القتال بدون سبب أو بدون إعداد كاف له وبدون تفكير، قد يؤدي هذا إلى الهلاك وهزيمة المؤمنين أمام العدو، مما يضطر المؤمن إلى ترك القتال ويؤدي إلى جرأة العدو على المؤمنين، لذلك يريد الله تعالى من المؤمن أن يحسن جهاده في سبيل الله وأن يحسن ويتقن كل عمل،... لأن الله تعالى فضل عباده بالعقل المفكر... فالعباد يحسنون تفكيرهم ويتقنون عملهم، والله يحب من عباده أن يحسنوا العمل، لأن الفطرة التي خلق الله الناس عليها تقول إن كل خير يجب أن ينسب إلى الله، سواء كان الله هو الفاعل المباشر كالأسباب والكون والقوانين، أو هو الذي خلق الخلق الذي يعمل، فكل الأمور ترجع إلى الله.