ظاهرة الحسد والحذر والتحذير من الحسد و الحساد
بسم الله الرحمن الرحيم
ظاهرة الحسد:
والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن ولاه:
- ظاهرة الحسد:
لقد ظهر في هذا العصر ظاهرة خطيرة وهي من أخلاق اليهود والأراذل وهو خلق مذموم جدا وهي ظاهرة الحسد . والحسد معروف من القديم .وقال العلماء: أول ذنب عصي الله به في السماء والأرض هو الحسد فحسد إبليس آدم عليه السلام فأبى أن يسجد له حسدا وإيباءا وحسد قابيل أحد ابني آدم عليه السلام أخاه هابيل حتى قتله كما ذكر الله تعالى ذلك في القرآن.
كما قال الله تعالى-:{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}إلى قوله {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[المائدة:30،29،28،27].
- نهي الله تعالى عن الحسد:
وقد ذكره الله عز وجل في القرآن و حذر عز وجل من الحاسد والتحذير منه وأنكر ونهانا وزجرنا أن نكون من الذين يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله، كما قال الله تعالى-:{أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا(53)أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا(54)فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا(55)}[النساء:55،54،53].
قال المفسرون :حسد اليهود محمد صلى الله عليه و سلم على النبوة ، وحسدوا الصحابة على القرآن ، وحسدوا المسلمين على الإسلام.
وقال تعالى-:{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[النساء:32].
فنهى الله تعالى عن النظر إلى ما عند الغير من النعم سواء العلم والحكمة أو المال أو الملك أو الصحة أو الأزواج أو الأولاد أو غير ذلك من النعم وأرشدنا إلى سؤال الله سبحانه من فضله وهو الكريم الواسع والله سبحانه واسع الفضل.قال تعالى -:{من شر حاسد إذا حسد} فأمرنا الله تعالى بالاستعاذة من شر الحاسد لأن ضرره عظيم .
- نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسد:
وجاء في السنة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :"لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانا". وقال صلى الله عليه وسلم:"دب إلكم داء الأمم من قبلكم: الحسد والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر إنما تحلق الدين".
والنبي صلى الله عليه و سلم أرشدنا أنه لا ينبغي أن يحسد أحدا إلا على أمور اثنين وهما: الإنفاق في سبيل الله عز وجل، وتعليم العلم. والقرآن، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :"لا حسد إلا في اثنتين: رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته بالحق ورجل أتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها".متفق عليه.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا حسد إلا في اثنتين رجل اتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار" متفق عليه.وليس الحسد هنا الحسد المحرم الذي هو تمني زوال النعمة بل المراد هو الغبطة ومعناها تمني مثل ما للمنعم عليه دون تمني زوالها.
- أفضل الناس من كان قبله نقيا من الحسد:
وأخبر صلى الله عليه وسلم أن من أفضل الناس من كان قبله نقيا من الحسد فقد سئل : صلى الله عليه و سلم عن أفضل المؤمنين فقال:"كل مؤمن مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: يا رسول قد علمنا صدوق اللسان فما مخموم القلب؟! قال :"هو التقي النقي لا إثم فيه ولا غل ولا حسد".
فمن كان قبله نقيا فهو من أفضل المؤمنين.وأيضا: من كان في قلبه حسدا فهو ضعيف الإيمان كما قال صلى الله عليه و سلم:"لا يجتمع في قلب العبد : الإيمان والحسد". والحسد من أمراض القلوب وصفاته المذمومة فيجب على المسلم والمؤمن ألا يكون حسودا فيجتهد في نفي الحسد عن نفسه فمن رأى من نفسه أن فيه حسد فيستعذ بالله من شر قلبه ونفسه وليتعوذ بالله من الشيطان فإن الشيطان هو الذي يستدرج العبد حتى يوقعه في الحسد والبخل بنعم الله تعالى على عباده.
- فوائد سلامة القلب من الحسد:
واعلم أن سلامة القلب من الحسد له منافع كثيرة منها :أنه ينجو من عذاب الله عز وجل يوم القيامة كما قال الله تعالى-:{يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ(88)إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:89،88].
- ومنها: أن القلب السليم على إخوانه المسلمين في جنة عاجلة ونعيم قبل الآخرة.
- ومنها : أن الله تعالى قد أثنى على خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام بسلامة القلب كما قال الله تعالى -:{ وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ(83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[ الصافات:84،83]. فسلامة القلب تشمل سلامته من الشرك والشك والتعلق بغير الله عز وجل ومنه سلامته من الحسد والحقد والغل وكل أمراض القلوب. والمؤمن النقي من الحسد له نصيب من هذا الثناء .
- ومنها:أن ترك الحسد و سلامة القلب منه سبب كبير في طول العمر ، كما جاء عن بعض السلف أنه سئل:كيف طال عمرك؟! فقال: تركت الحسد فطال عمري" أو كما قال رحمه الله تعالى.
- ومنها:أن سلامة القلب من الحسد سبب لراحة البال وصفاء الذهن لأن الحسود في غم وهم دائم لازم ، كما قال الحسن البصري رحمة الله عليه :ما رأيت ظالما أشبه بالمظلوم من الحاسد هم دائم وغم لازم. نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
- منها:أنه من أسباب نيل العلم والنبوغ فيه فإن العلم لا يصلح إلا في القلب النقي الصافي . كما قيل: يصلح العلم في القلب كما يصلح الغرس في الأرض الطيبة ويأبى الله تعالى أن يضع علمه في قلب فيه حسد وكما قيل: الحسود لا يسود.
- الحسد في الأرياف:
والحسد يكثر عند ظهور النعم وخاصة في المدن والقرى أما الأرياف فلا يكثر فيها الحسد لكن ليس هذا على إطلاقها فقد يكون في الأرياف من الحسد أعظم مما في القرى ، كما قال بعض السلف يوصي تلميذه:" لا تسكن الأرياف فيذهب علمك".
وهذا لكثرة الحسد في الأرياف.فينبغي للمؤمن أن يتنزه عن هذا الخلق الذميم وأن يحذر أيضا: من الحساد فإنهم قد كثروا جدا في هذا العصر - لا كثرهم الله تعالى- وكثروا أيضا:الحساد - وخاصة في المدن الذين يصيبون الناس ويؤذونهم بأعينهم- كثيرا.نسأل الله العافية والسلامة .
- الحاسد في نقمة ومقت:
والله إنها نقمة ومقت من الله عز وجل وربما يقتل مسلما من أمة محمد صلى الله عليه و سلم بسبب العين والحسد وحقا فقد قال صلى الله عليه و سلم :"أكثر من يموت من أمتي بالنفس". وفي رواية :"بالعين".
وقد قال العلماء رحمهم الله تعالى: أن الحاسد يسجن من قبل السلطان ومن عرف أنه يأذي بعينه فإنه يسجن حتى يتوب.وقالوا:إذا أقر الحاسد أنه قتل أحدا بعينه فإنه يقتل به حدا".
والحاسد يجب الحذر والتحذير منه وأن يُجْتَنَبُ ويُجَنَّبُ.والحسد ضرره كبير وخطير وهو أعظم الأضرار والأمراض الروحية من المس والسحر فالحسد والعين ضرره أكبر من السحر والمس وذلك أن الشرع لم يبين أن السحر والمس يضر ويدخل القبر ويفسد حياة الإنسان لكن الحسد جاء أن الرجل قد يموت بسبب العين والحسد ويفسد حياة الإنسان كما جاء في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.وينبغي للعبد أن يخفي النعمة عن الناس وخاصة من عرف أنه يؤذي بعينه وأن يقضي حوائجه في السر والكتمان ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:"استعينوا على قضاء وفي رواية "على إنجاح" حوائجكم في السر والكتمان فإن كل ذي نعمة محسود".
- لطيفة:
قال الإمام محمد بن سرين رحمة الله عليه: ما حسدت أحدا من أمر الدنيا إن كان كافرا كيف أحسده وهو صائر إلى النار وإن كان مسلما كيف أحسده وهو صائر إلى الجنة".
فالمؤمن والمسلم الحق يترك الحسد ولا يحسد حتى الكافر الذي يستحق أن يبغض ويعادى لله عز وجل لكن لا يحسده ويظلمه ويعتدي عليه فهذا ليس من أخلاق الإسلام لاسلام دين صفاء ونقاء والكافر مصيره إلى النار فكيف يحسد الكافر ومصيره إلى النار فالذي سيلقى الكافر يكفيه.
وأيضا: المسلم مصيره إلى الجنة فالدنيا كلها لا تساوي شيئا بالنسبة للآخرة وفكيف يحسد المسلم على نعم الدنيا وهو صائر إلى نعم كثيرة عظيمة في الجنة.؟!
- يجب على الحاسد أمورا لكي ينفي عن نفسه الحسد :
- الأول:أن يعلم أنه مريض بهذا المرض وإلا فإنه لا ينتفع بالأسباب ويجب عليه أن يريد أن يذهب عنه هذا الداء.
- الثاني:أن يكثر من الدعاء فيسأل الله تعالى أن يذهب عنه داء الحسد وأن يطهر قلبه و"إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء"كما قال النبي صلى الله عليه و سلم.
- الثالث:أن يجتهد في زيادة الإيمان فإن الإيمان القوي يمنع صاحبه من الحسد كما مر في الحديث.
- الرابع :أن يجتهد أن يفعل مثل ما فعل الآخر ويسعى في تحصيل العلم والحكمة والمال والملك وذلك ميسور على كل الناس وخاصة في هذا العصر الذي فتح الله سبحانه وتعالى على عباده من كل النعم.
- الخامس :أن يملأ قبله بمحبة الاخرة فإن هذا مما يزيل عن القلب الحسد فإن الآخرة هي دار القرار ولا ضيم على أهل الآخرة.
- السادس:أن يدع بالبركة كلما رأى نعمة عند أخيه المسلم ، كما قال النبي صلى الله عليه و سلم:"إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو ولده أو أخيه ما يعجبه فليبرك عليه فإن العين حق".
- السابع : أن يرضى بقسمة الله تعالى على عباده فلا يسخط قسمة الله تعالى على عباده ولا يعترض عل قضاء الله تعالى.
- الثامن والأخير: أن يعلم أن هذا بلاء ونقمة ومقت من الله عز وجل فليجتهد أن ينفي عن نفسه هذا البلاء ولا يرضاه فإنه يعرض نفسه لسخط الله عز وجل وعقابه.
وأخيرا يجب على المسلم أن يجتنب الحسد فإنه خلق مذموم وصفة ذميمة توجب سخط الرب عز وجل وعقابه والحاسد مخروم المروءة التي هي كمال الرجولة وليس من أخلاق الرجال أهل الشهامة والمروءة والكرم أن يكونوا حاسدين.وسلامة القلب مما يتنافس فيها أهل الخير والصلاح والمنازل العاليات . والله المستعان وبالله التوفيق ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.واقرأ أيضا:مسائل مهمة للغاية عن الحسد وانظر أيضًا:لماذا الحسد الشيخ صالح الفوزان
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
وكتبه
أخوكم ومحبكم والناصح لكم في الله عز وجل
أبو عبد الله
صابر ترزي العنابي الجزائري.
27شوال سنة 1441من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليموالموافق ل19جوان 2020م.البلدة عنابةالجزائر.