الضمير وكيف نربيه ؟! ( 1 )
خطبــــة جمعــة بعنــوان :
الضمــيرُ وكيف نربيه !؟ ( 1 )
أما بعد احبتي الكــرام :
نقف اليوم وبإذن الله جل وعلا مع درسٍ من دروسِ العقيدة، ومظهــرٍ من مظاهــر صلاحِ العبد واستقامته، ودليلٍ على كمـالِ الايمان وحُسـن الاسلام وحسن الخاتمة ..
<< إنّه يقظــةُ الضـــمير >>
سببٌ من أسبـابِ الأمـن مـن الفـزعِ الأكبر يـوم القيامة، وسببٌ للفـوزِ بالجنّةِ والنجـاةِ مـن النار ..!
الضمير الحي الذي يُضفـي على الإنسان نوعـاً مـن السكينة والوقـار فيُصبحُ عضواً فاعـلاً في جسـدِ أمته يفعـلُ الخـير ويدعوا إليه وينهى عن الشــرِّ ويجتنبه، لانه يستشعــر :
﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ الزخرف (80)
لانه يستشعـر :
﴿مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ ق 18
يستشعر :
﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ • كِرَامًا كَاتِبِينَ • يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ الانفطار 10 - 12
إذا مـا خلـوت الدهر يومـاً
فلا تقل خلـوت ولكن قل عليا رقيبُ
ولا تحسبن ّ اللهَ يغفـل ساعةً
ولا أن مـا تخفيه عنه يغيبُ
والنّفسُ تدعوك لإطـلاقِ العَنَان لبصرك ليرى في الحـرام ويرتعِ في المعصية، إستشعر انّ نظر الله إليك أسبق وأســرع من نظرك الى المنظـــور إليه ..
استشعر ( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) غـافــر 19
وانت قد أوصدت على نفسك النوافـذ، وأغلقت الابواب بعيداً عن عيونِ النّاس لتصنع مـا يغضب الله، تذكـــر أنّ هناك مـن يـراك، ويعلم سـرّكَ ونجــواك، تذكـــر قــول مــن قــال :
واذا خلــوت بريبةٍ في ظلمـــةٍ
والنفس داعيةٌ الى الشيطانِ
فاستحـي من نظــر الإلـه وْقُل لها
إنّ الذي خلق الظلام يراني
ولهذا الضمــيرُ الحي هو مدرســةُ الرقابة العليا..
الضمــيرُ الحي يُعلِّـمُ العبد الرقابة بينه وبين الرقيب الأعلى سبحانه وتعـالـى، فلا ديـوان للمحاسبةِ يستطيع أن يحاسب .!
ولا الــرقـابة الإدارية تستطيع أن تُـراقب .!
ولا النيابة العامــة تقوى على ضبطِ الاشياء .!
ولا المحاكــم ولا الإدارات بأنواعها تستطيع أن تُعلّم النّاس إتقان العمـل .!
إنّما الضمــير وحدُه الذي بينك وبين الله هو الذي يُعلمك كيف تُتقن العمل مع الله سبحانه .!
وتعالوا معي إخواني الكــرام لنرى ونعرف كيف ربى النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه الكرام ..!
كيف ربــاهـم !؟
لم يُربهم على التعلق بالدنيا ومافيها من مالٍ، وقصور، ودور ..
ولـم يُربيهـم فـي الصـالات المغلقة، ولا فــي المنتديـات، ولا فـي المسـارح، ولا فـي دُورِ السفهـاء !!
إنّمـا رباهـــم على مبدأ واحد وهـــو :
[ أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يـراك ].
ولو أننا اليوم بدأنا بما بدأ به عليه الصلاة والسلام في بناء المجتمع وإصلاح الضمائر لما كان حال المسلمين اليوم في اختلاف، وتشرذم، وتمزق، وتفرق، وأحقاد، وأنانية، وبغضاء، وحروب، واقتتال ..!
لأن الضمير فينا مات وكبّرنا عليه أربع تكبيرات وصلينا عليه صلاة الجنازة ..!
أمّا الرسول الكريم فلمّا بدأ، فلم يبدأ ببناءِ المصانع والمنشئات، وتشييد المؤسسات، ولم يبدأ بإقامةِ البناء المادي ..
إنّما بدأ ببناءِ النّفوس اولاً..!
وعلى أيِّ شــيء بناهـا !!
بناهــا على قاعـــدة ومـبدأ :
[أن تعبد الله كأنّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك]
رقابة يستشعــر فيها العبد إطلاع الخالق على ظاهرة وباطنة، وعلى سـرّه وعلانيته ..!
مراقبة وضميرٌ حي يشملُ مظاهر الحياة جميعها وبكل نواحيها وجوانبها :
ضمير حي في آداء الحقوق المالية.
ضمير حي في الإعتراف بالجريمةِ وتحمّل العقوبة.
ضمـير حي في رعايةِ القوانين والأمانات.
ضـمـير حي في السياسة والحكم .
ضمـير حي في التجارة والمعاملات .
ضمـير حي لدى الطالب والمعلم، والمدير ، والعامل، والمهندس، والدكتور ، والفلاح، والعسكري، والنجار ، والتاجر ، والحداد، والخياط، والكاتب، والناشر ،والحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والذكر والأنثى، والأبيض والأسود، والغني، والفقير، والعزيز، والذليل ..!
فعلى هذا المبــدأ مبدأ يقظـةُ الضمــير ومبـدأ :
أن تعبد الله كأنّك تراه ربّى الرسول الكريم صحابته الكرام حتى ساروا على وجة الارض في صحوةِ ضمير لا مثيل له كالملائكةِ الأطهار رفعةً وكرامةً وفضلاً ونبلا، وحتى كان الضمير فيهم ينادي من منطـقِ الإيمـانِ واليقين ..
أمّـا اليـوم فقد اصبح الضمـير فينا لا يراعي حرمـــةً، ولا دينـاً، ولا امــانةً، ولا صدقاً، ولا أخلاقاً ..
فحـرمات تُنتهك، وحدود لله تتجاوز ، ونظـرات زائغة، وأموال تسلب بالحرام دون وجة حق،
وأخرى تؤخذ ولو كانت من رباً او رشوةً او قماراً
او احتيالاً، ونسينا رقــابة الرقيب الأعلى ....!
أين نـحن يا كـرام من عـامــر بن قيـس ذلكم الوفــي الأمــين الذي تربى فـي الجامعة المحمـدية ..
ذلكـم الجندي الصادق الذي تحـرك الضمير في مملكةِ قلبه، ونادى من منطـقِ فؤاده ..
خـاض هذا الجندي الضرغام معـركة القادسية
مع القائد سعد بن ابي وقاص رضي الله عنه
وقــاتل في هذه المعركة قتال الأبطال ..
ونازل فيها نزال الأســود حتى انتهت المعركة وتكللت بفوزٍ ساحقٍ ونصرٍ مبينٍ ومظفرٍ ومؤزرٍ للمسلمين .
وبعـد المعـركة جـاء هذا الجندي وهو ملثماً لايُعرف يحملُ بين يديه علبةً مليئة بمـاذا ؟؟!
هل مليئةٌ بالحلوى ام بالسكاكر ام بالمكسرات ؟!
لا لا
وانّما كانت العلبه مليئةٌ بالجــواهـر الكريمة
جاء بها الى القائد سعد بن ابي وقاص وقال له :
لقد عثرت على هــذه الجــواهـر !!
إنّها مدرسةُ محمد بن عبدالله ..
إنّها مدرســةُ النزاهة والأمــانة !
إنّها مدرســةُ الصفــاء والنقــاء .!
إنّها مدرســةُ الطهــر والـوفـــاء .!
إنّها مدرســةُ الــرقابــة العليا .!
مدرسـةٌ كُتبَ على بابها :
[ أن تعبد الله كأنّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنّه يـراك ] ..
فنظر إليه القـائد سعـد وقـال له :-
" وهل أخـذت منهـا شيئــاً "!!؟
وهـل من المعقـول أن يكـون جيلُ ذلكم الــزمان من خائني الأمانـة !!؟
هـل يُعقل أن يكـون ذلكـم الجيل الفـريـد الذي أوصـل الإسلام الى كل اسقاعِ الأرض وارجـائهـا وشهـدت لهم قبـورهم بهذا مِمَّــنْ يسرقون او ينهبـون .!!
هــل من المعقـول أن يكـون اؤلئكم الـرجال الذين تـربوا على مائدة القـرآن وآووا ونصـروا وجـاهدوا في سبيـل الله نصرةً للـدين وحمــايةً للعقيــدة حتى آخـر نفـس من حياتهــم من الذين يأخــذون شيئاً ليس لهـم ولا يملكونه .!!
يقول سعد بن ابي وقاص لهذا الجندي :
" وهــل أخـذت منهــا شيئاً "!!؟
فقال الجنـدي الأمــين بثبـاتٍ وإيمان :
" والله لولا مخـافـةُ الله مـاجئتكــم بهـا، ولـو كنت أريـد أن آخــذ منهـا شيئــاً مـا احضرتهـا لكـم "
إنّـه الضميرُ الحــي، الضميرُ اليقظ .!
إنّـه الضميرُ المنتبــه، الضميرُ الصـاحي.!
الضميرُ الذي يجعل صاحبة يخاف الله ويخشى عقابه ..
جنديٌ أملس الكتفــين، خـالـي الـذراعـين مـن الأوسمــةِ والنيـاشـين والرتب، جنديٌ ليـس على كتفـيه نجمةٌ ولا نســرٌ ولا سيفان ..
جنــديٌ يعـثرُ علي علبـةٍ مــن الجــواهـر الكريمةِ التـي تــركهــا كســرى، وكــان يستطيـع أن يبيعها
او يُخفيها او يتصرف فيها بعيداً عن عيـونِ النَّاس.!ولكنّ الذي دفعه الى ان يسلمها الى اهلها هوالله
لـم يكـن هنـاك جهـازٌ مـركـزيٌ للمحـاسبـات، ولا جهــازٌ مـركـزيٌ للتعبئـةِ والإحصــاء، ولا جهـازٌ مـركـزيٌ للمــراقبـةِ والتفتيـش، ولا قسـمٌ لمكـافحـةِ التهـريب، ولا نيـابة إدارية، ولا نيـابة أموال عامة، ولا مكتب مبـاحث ..!
لـم يكن فـي مـدينة رسول الله شــرطــيٌ واحــد
ولا محكمةٌ واحدة، لأن الذي كـان يعلمهـم ويجمـع شملهـم، ويطلــع عليهم ويـراقب عليهم هـو الـرقيب الأعلى .!
أُعجـب سعـد بن ابي وقاص بنقاء هذا الجنـدي وصدقه وإخلاصه ووفاءه وأمانته ونزاهته فقــال له:
" مــا أسمـك يــا هذا !!؟
يريد ان يعــرف اسمه ليضيفه في سجـلِ التشريفات العامة، ويضعه فـي قائمـة الشــرف الاعلى على قصـرِ كســرى وحتى يعرفه الجميع!
وما اكـثر محبـي الشهــرة !!
ما اكـثر محبـي الظهــور !!
ما اكـثر اولئك الذين يحبون ان تُلمّـع اسمائهـم على رؤوسِ الصفحـات، وعلى شريطِ الشاشات والقنوات وفي الجــرائد والمجـــلات !
ما اكثر الذي يحبون ان تـذاع أسمائهم وتُعلن على الارجاء بسبب عمـلٍ قدمـوه او خـدمةٍ انجـزوها ..!!
نعـم يقول سعـد : " ما أسمـك يــا هـذا !!؟
فقـال ذلكـم الجنـدي النبيل الصــادق الوفــي :
" والله لا اقـول لكـم اسمـي لتشكـرونني، ولا لغـيركم ليقــربـوني او يحمــدونني، ولكنّـي أحمدُ الله وأرضـى بثــوابـه ".
كــانوا عمليين، كــانــوا صـادقـين، كانوا مخلصين، كانو أمناء، اوفياء، شرفاء .!
لم يكونوا مهرجين ولا مُمَثلين ولا مُقلدِين
ولا نفعيين ولا منافقين ..!
لأن الضمـير ومـراقبةُ الله هـو الذي كان يحكـم، وهو الذي كان يسـود .!
فسادت الفضيلة، وسادت العدالة والمســاواة، واخرجوا العباد من عبادة العباد الى عبادة ربِّ العباد، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام، ومن ضيق الدنيا الى سعــةِ الدنيا والاخـرة ..
فما اجمل صحوة الضمير ويقضته يا ايها الكــرام وما اجمل ذلكم الضمير الذي نادى من مملكةِ قلب نبي الله يوسف عليه السلام حين دعته امرأةُ العزيز
فقال:( مَعاذَ الله إنّه رَبي أَحْسَنَ مَثواي ) ..
وهو الضمير نفسه الذى جعل ماعز الأسلمي رضي الله عنه يأتي بنفسه الـى محكمة المصطفى صلى الله عليه وسلم طائعاً مختاراً ليعترف بجريمة الزنا
وليقام عليه حدُّ الله ..
وهو ذلكم الضمير الذى جعل عثمان بن عفان رضي الله عنه يتبرع بكاملِ قافلته فى عامِ الرمادة على الرغم من فرصةِ الربح التى لا تعوض، لكنّه باعها لله وتركها لله ..
وفي هذا العام نفسه (عام الرمادة) الذي أصاب المسلمين فيه مجاعةٌ قاتله، جعلت الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر بذبحِ جـزور وتوزع علـى فقـراءِ وجوعـى المدينة.
وعند الغـداء يُوضع على مائدةِ الخليفة عمر أشهى مافيها من لحـمٍ وطعـام، فلمّا رأى الفـاروق ذلك قال: مــن ايـنّ هــذا ؟
فقالــوا له: انّـه من الجـزورِ الذي أمـرت بذبحه وتوزيعه للنّاس اليوم ..!
فقال: الـزاهـدُ التقـي الـورع !!
قال الخليفة العادل: بـخٍ بـخ، بئس الوالي أنا إن أكلت طيبها وتركتُ للنّاس كراديسها، ثمّ أزاح الطعــام الذي أمامه بيمينه وقال :
" يا أسلـم إرفـع عنَي هذا الطعام، وأئتني بخبزي وزيتي، فـوالله إنّ طعامكم هذا عليّا حـرام حتى يشبع منه فقــراء المسلمين ".
يوم اشتهت زوجته الحلوى قال لها
من اينّ لي ثمنُ الحلوى فأشريها
ما زاد عن قوتنا فالمسلمين به اولى
قومي الى بيتِ المال رديها
كذاك اخلاقه كانت وماعهدت
بعد النبوة اخلاقٌ تحاكيها
أقول مـا سمـعتم واستغفروا اللـَّه لـي ولــكم من كل ذنـب فيـا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين ..
الخطبة الثانية :
أمّا بعد إخواني الكــرام :
حديثنا اليوم يدور حول موضوعٍ مهمٍ للغاية إنّه
( الضمــير وكيف نربيه ) ..
الضميرُ الذي إذا ما اختفى أو مات من حياةِ النّاس
ستجد من يُعطيك شهادة تعليمية دون أن تدرس يوماً واحداً ..
ستجد شاهد يبيع ضميره، ويزوّر أحداث شهادته
وحوّل الظالم إلى مظلوم، والمظلوم إلى ظالم ..
ستجد طبيباً يُهملُ معالجة مرضاه في المستشفى ليضطرهم للذهابِ إلى عيادته الخاصة ..
نعم
عندما يباع الضمير ستجد الموظف يرتشي، والكاتب يزوّر ، والجندي يُخلُ في عمله، والطبيب يُهمل في علاجِ مريضه، والمعلم يُقصر في واجبه، والقاضي يظلم في حكمه، والمرأة تُفرط في واجباتها الأسرية، و التاجر يغش ويحتكر في تجارته...
عندما يباع الضمير تُهملُ الواجبات، وتَضيّع الحقوق والأمانات، ويُوسّدُ الأمرُ إلى غير أهله، وتظهر الخيانات، وتُحاكُ المؤامرات، وتُقدم المصالح الشخصية الضيقة على مصالح المجتمع والأمة ..
عندما يباع الضمير
تغفو العقول ... وتثورُ الأحقاد .. وتتعطل إنسانية الإنسان وتفقد حواسه قيمتها، ويغدو صاحب عقلٍ لا يفقه، وصاحب عينٍ لا تبصر ، وصاحب أُذنٍ لا تسمع ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وجعلنا له نوراً يمشي به في النّاس كَمنْ مثَلُهُ في الظُلمَاتِ ليسَ بخارجٍ منها ).
احبتي الكــرام
في احــدى الايام اراد الخليفةُ الفاروق عمر بن الخطـاب رضي الله عنه ان يختبر ويقيس ضمير الرعية فخرج في ثـوبٍ تنكري ..!
وكان عمراً يلبس ثوباً كأحــد الـرعية بلا نقوش، ولا نياشين، ولا اوسمـه ..!
وكان يخـرج بلا مواكـب، وبلا حــرس، او جنود، او درجات نارية، او طوابير، او هيلمان .!
فخرج ليستطلع ضمير الأمة هل اصابه الغش !؟
وهل أصابته الخيانة!؟او اصابتة الانحرافات!؟
فوجـد راعياً يرعى غنماً فقال له الفاروق مختبراً إياه والراعـي لايعرف انّه الخليفة عمر فقال له :
" يا هـــذا إعطنا غنمــةً نتغدى عليها اليوم .!"
فقال له الراعي: يا هــذا إنّها ليست ملكاً لي وانّما هي مِلْكٌ لسيدي، وأخاف إن تصرفت فيها أن اكـــون بذلك قد خُنت الأمــانة والله يقــول :
( يا أَيّها الّذِينَ آمنّوا لا تَخُونُوا اللهَ والرَسُولَ وتَخُونوا أمَانَاتِكم وَأَنْتُـم تَعْلَمُون )
إنّه درسٌ مهـم من راعي غنم لكل مـن أحيطَ بأمانةٍ فخانها، وتساهل فيها وفــرّطَ فيها ..!
فقال له عمر : سأعطيك ثمنها دنانير مـن ذهبٍ ودراهــمَ مـن فضة .!
ظٓـنّ عمر انّ للذهبِ رنيناً يخـدع القلوب، ويأسر الارواح، ويسحـر النفوس، وانّ للفضة بريقها الذي تنخلـع لها الأفئدة ..
فماذا قال الراعـي ؟!
ومـاذا لو كان واحداً من اؤلئك الذين لاضمـير لهم ولا أمانة، ولا ذمـة ك، ولاخــوف من الله .!
قال الراعي: ومــاذا اقــول لسيدي لو سألني عنهـا!
قال له عمر : اذا سألك عنها فقل له أكلها الذئب !!
فقال الراعي الامين بلسانِ الايمانِ، والضميرِ الحي
" ياهـــذا وإذا كــذبت علـى سيدي الأصغــر فأين الله، أين الله ..!!!
فــأين الله .!؟ يامــن تأخذ خلسةً حــق غيرك !؟
ايــن الله .!؟ يـا مــن تفــرط بأمانـاتِ النّـاس ؟!
ايـنّ الله ،!؟ يا مــن تتعامــل بالربا !؟
ايـنّ الله .!؟ يا مـن تتاجــر بالحــرام !؟
ايـنّ الله .!؟ يا مــن ترتكب كل ماحـرمَ الله ؟!
ايـنّ الله .!؟ يا مــن تخاف من نظرِ المخلوق ولا تخاف من نظــرِ الخالق جل جلاله ؟!
لقــد وقــف الفاروق عمـر أمـامَ صخـرةٍ صلبةٍ مـن الفـــولاذِ الــرقابي !
وقـف الفاروق أمــامَ يقظـة ضمير ، وسلامـة قلب كأنّه طائـر ناحل الجناحين !
وقـف الفاروق أمــامَ ضميرٍ عمـلاق، وأمــامَ جبلٍ أشـمٍ مـن جبالِ الخـوف، والمراقبة، والضمير الحي.
ولقـد كان هذا الموقـف سبباً في أن عمر بن الخطاب يشتري هـذا الراعي من سيده ويُعتقه بل ويشـتري له الأغنام ويقــول له :
" لقد اعتقتك هـذة الكلمة من رقَّ الدنيا، وأسال الله ان تنجيك مـن عـــذابِ النّار يـوم القيامة ".
فليس الضمــير يا ايها الكرام
خطباً تلقـى ... ولا دروسٓاً تُلقن ..!
وليس الضمــيرُ قصوراً تُرفع ..!
ولا مصانع تُبنى .!.. ولا شركات تُشيًد ..!
انّمـا الضمــير كُلُّ الضمــير هــو الـذي يقــوم علــى مبــدأ: [ أن تعبد الله كأنّك تــراه فإن لم تكن تراه فإنّه يـــراك ] ..
يقـــوم علــى مبــدأ :
( الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ • وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)
الشعراء 218 - 219
يقـــوم علــى مبــدأ :
( وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) الملك 13
يقـــوم علــي مبــدأ :
( مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَاخَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكثَرَ إِلاَّ هوَ مَعَهُمْ أَينَمَا كَانُوْا ) المجادله 7
ثم اعلمــوا انّ الله أمركــم بأمــرٍ بدأ به نفسه وثنـى به ملائكته المسبحــةِ بقدسه وثلّثَ به عبــاده من جنِّـه وإنســه فقــال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))...