محرومـون مـن المغفــرةِ فـي شعبــان
خطبــــة جمعــــــة بعنــــــــوان :
[ محرومـون مـن المغفــرةِ فـي شعبــان ]
أمّـابعـد:
كم نحــنُ بحاجـةٍ الى أنْ نتعرَّضَ لمغفــرةِ الله عــزوجل.!
بحاجــةٍ الى أنْ نتعرَّضَ لرحمــةِ الله جلَّ وعلا .!
بحاجــةٍ الى أنْ نتعرَّضَ لعطــاءِ الله سبحانه .!
وشهــرُ شعبان هو شهرُ المنحةِ الربانيةِ التي يهبها الله لأمّةِ محمد صلى الله عليه وسلم ..
وهو هــديةٌ من ربِّ العالمـين إلى عباده الصالحين؛
اذ فيه ليلةٌ عظيمةٌ عظَّمَ النبي صلى الله عليه وسلم شأنها ورفعَ قدرها إنّها :
( ليلـةُ النّصـــفِ مــن شعبـــان )
ليلةُ المغفرة، ليلةُ العفو، ليلةُ الصفح ..
هذه الليلة هـي فرصـــِةٌ تاريخيةٌ لكلِ مخطــئ ...
• فرصـــةٌ تاريخيةٌ لكلِ مقصـــر ..!
• فرصـــةٌ تاريخيةٌ لكلِ مــذنب .!
• فرصـــةٌ تاريخيةٌ لكلِ متهـــاونٍ فـي حـــقِّ الله ودينه ودعــوته وأمّته ..
• فرصـــةٌ لكلِ من وقــعَ في معصيةٍ أو ذنبٍ مهما كـان حجمـه ..
• فرصـــةٌ لكلِ من سولت له نفسه فتجرأ على الله بارتكاب معــاصيه ..
• إنّها فرصـــةٌ لمحوِ الأحقــاد من القلوبِ تجاه إخواننا فلا مكان هنا لمشاحنٍ وحاقدٍ وحسود ..
• فرصـــةٌ لإدراكِ ما فـات وبدءِ صفحةٍ جديدةٍ مع الله تكون ممحوةً من الذنـوبِ وناصعةَ البياض بالطاعــة.
وقد وردتْ إلينا في النِّصفِ مِن شعبان مِن طُرقٍ كثيرةٍ أحاديث صحّحها أهلُ العلم، ومِن هذه الأحـــاديث ما ورد عن مُعــاذٍ بن جبل رضي الله عنه، عن النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم أنّه قــال :
" يطّلِـــعُ اللهُ إلى جميعِ خلقه ليلةَ النِّصفِ مِن شعبان فيغفرُ لجميعِ خلقه إلاّ لِمُشركٍ أو مُشاحن".
ففي هذا الحديث إثباتُ مغفِرةِ الله تعالى لعباده في ليلةِ النِّصــف مِن شعبــان ..
لكنّه يستثنى شخصــين من البشر ..!
يستثني رجلين من النّاس من نيلِ مغفــرةِ الله
في هــذه الليلة المبــاركـــة .!
يستثنى صنفـان محرومان من المغفرةِ في شعبان:
الصنــــفُ الاول :
(( مشــرك ..! وبأيِّ نوع مِن أنــواع الشِّــرك ))
والكل مطالب بأنْ يقِف مع نفسِه وقفةً صادِقةً ويُحاسِبُ نفسَه حساباً شديداً ومراراً وتكراراً
فلعلّه قد يكون قد ابتُلِيَ بشيءٍ مِن الشِّركُ سواءً صغُرَ أم كبُرَ، وليتدارك نفسَه بالتّوبةِ إلى الله إنْ كان قد وقع منه شيءٌ مِن الشِّرك..
ولا تقُلْ يا عبدالله إنِّي بريءٌ مِن هذه الشِّركيّات.!
ولا يُوجد عندي شيءٌ مِنها ..!
أو لا يُمكن أنْ أقع فيها، ويكفي أنّني أعيشُ في بلادٍ يعمُّ فيها التّوحيد ..!
فإنّ هذا غُرورٌ وجهلٌ مِن قائله، فلستَ أكثر توحيدًا من نبيِّ الله إبراهيم عليه وعلى نبيِّنا الصّلاة والسّلام
فهـل تعــرِف بِما دعــا ربَّه !؟
لقد دعا ربَّه بشيٍ عظيم ..!
فاستمِعْ معي أخي الكــريم إلى دُعائِه فيما ذَكَرَهُ اللهُ تعالى عنه في كتابه حيثُ قال :
﴿ وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ﴾[إبراهيم: 35-36]
لقد خاف خليلُ الرّحمنِ على نفسِه وعلى بَنِيهِ الشِّركَ باللهِِ وعبادةُ الأصنام، وهو الّذي كسَرها بيدِه الشّــريفة..!
لِماذا أيُّهــا المُؤمنــون !؟
لِماذا خاف على نفسِه كُلَّ هذا الخــوف !؟
السبب هو :
﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ ﴾
فهذا السّبب هو الّذي دَعَاه إلى دُعاء ربّّه أن يُنْجِيَّهُ وبَنِيهِ مِن هذا البلاء العظيم، وهذا الشّرّ المُستطير، الّذي وقع فيه كثيرٌ مِن النّاس في هذا الزّمان ولا حول ولا قُوّة إلاّ بالله.
قال إبراهيم التَّيْمِيُّ رحمه اللهُ تعالى متعجباً :
" ومَن يأمن الفِتنة والبلاء بعد إبراهيم عليه السّلام".
وفي هذه الأزمِنة يـا كــراح نرى بعضاً مِمَّنْ ينتسِبُ إلى الإسلام مَنْ يعبُد القُبور، ويطلُب مِنها الشّفاعة مِن دون الله .!.
والبعضُ يذبحُ لها مِن دون الله، راجيًا بركتَها
أو مُتقرِّبًا لأصحابِها المدفونين تحت الثّرى .!
أو تراه يذبح، وينحر، وينذُرُ لأصحابِ القُبورِ عند العتباتِ المُنجَّسَة بالشِّركِ والكُفر؛ وصَدَقَ عليهم قولُ الله تعالى :
﴿ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾
[يوسف: 106].
- ومِن مظاهرِ الشِّركِ في العبادةِ ما يفعله بعض مَن لم يعرف حقيقةَ التّوحيد مِن تعظيمِ الأولياء، والخُضوعِ والذُّلِّ لهم، والخوف مِنهم، وتعظيمهم، أكثر مِن تعظيمهم وخوفِهم وذُلِّهم لله عزّوجلّ :
فتراه بين يدَيْ شيخ طريقتِه كالميِّتِ بين يدَيْ غاسلِه، لا يُخالِف له أمرًا ولا يعصي له قولاً، يعتقدُ أنّه مُطّلِعٌ على ما في قلبِه وأنّ هذا الوليّ له قُدرةٌ على الكشف؛ وهذا كُفرٌ أكبر والعياذ بالله-.
- ومِنهم مَن ينذُرُ لغيرِ الله ..!
- ومِنهم مَن يحلِف بالوليِّ أو بالنّبيِّ او بالجاه او بالامانه او بالطلاق أو بحياة الأبناء والآباء والأجداد ..!
- ومِنهم مَن يقرأُ في الأبراجِ الّتي تأتي في بعضِ المجلاّتِ والصُّحف، فيُخبِرون بأُمورٍ هي مِن الغيب؛ وكُلُّه مِن الكِهانة، وادَّعاء عِلمِ الغيب الّذي هو مُضادٌ لدينِ الرُّسل عليهم الصّلاة والسّلام، وهو كُفرٌ أكبر والعياذُ بالله ..
وهو إنْ صدّقَهُ فيما يقول فقد كفر بما أُنْزِل على محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم، وإنْ سألَهُ بلا تصديقٍ لهُ لم تُقبلْ له صلاة أربعين يومًا كما قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لنا روى ذلك مسلم :
"مَن أتى عرّافًا فسأله عن شيءٍ لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة " ..
- ومِنهم مَن يذهبُ إلى العرّافين، والمًُشعوِذين، والسّحرة، والمُنجِّمين، يطلُبُون مِنهم الشِّفاء مِن الأمراض أو معرِفة ماذا سيحصُلُ لهم في مُستقبلِ حياتِهم ..!
- وآخرون يأتونَ السحرةَ والمشعوذين لجلبِ نفعٍ أو لدفعِ ضررٍ أو من أجلِ جلبِ مصيبة أو أذى لمسلم.
وهذا من البلاءِ العظيم أن يتخلَّى العبدُ عن دينه في سبيلِ إيذاءِ الآخرين، أو في اعتقادِ جلبِ نفعٍ له وهو ضررٌ مَحْضٌ ..
وقد جاء في حديث عمران بن حصين مرفوعًا :
(( ليس منا من تطيَّر أو تُطيِّر له، أو تكهَّن أو تُكهِّن له، أو سحر أو سُحر له )) ..
- ومِن مظاهرِ الشِّركِ المُنتشِرةِ بين النّاس لبسُ الطلاسمِ والحرزيات، وتعليقُ التّمائم الشِّركيّة والتّعاويذِ البِِدعيّة ..
فهذا يُعلِّقُ خيطًا في رقبةِ ابنه أو بيدِه ..!
وذاك يضع أوراقًا كُتِبتْ عليها طلاسم وأُمور شركيّة وكلامٌ غيرُ مفهوم مِمّا يُتقرّبُ به إلى الجِنِّ .!
وهذا يُعلِّقُ تعاويذ علي جدرانِ البيت .!
وآخرُ يُعلِّقُ حذاءً في مؤخرةِ السّيارة .!
واخر يذبح عند فتحةِ باب بيته الجديد الذي سيسكنه .!
وآخر يضع الملح واخر يرش المياه .!
وآخر يعلق صورة حيوان مُجسَّم ..!
وغيرها وغيرها كثير زاعِمين أنّها تطردُ عنهم العَيْن، وتَدفعُ عنهم الحسد .!
وهذا كُلُّه شِركٌ باللهِ عزّوجلّ كما قال النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم : "مَن علّق تميمةً فقد أشرك".
- ومِن النَّاسِ مَن يُشرِك بالرِّياء، والسُّمعة، وإظهار العملِ الصّالِح أمامَ النّاس مِن أجل أنْ يمدحوه
أو يقولون فُلانٌ صالح، او صاحبُ صوت جميل.!والنّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم ثبتَ عنه كما روى ذلك مسلم أنّه قال : " مَن سمّع؛ سمّع اللهُ به، ومَن راءى؛ راءى اللهُ به" أي : فَضَحَهُ يوم القِيامة ..
فتراه يُصلّي رياءً، ويقرأُ القُرآن رياءً، ويذكُرُ اللهَ رياءً .!
فهذا قد أتعبَ نفسَه وأسخط ربَّه، وأفسد عمله
وملاء صحيفةَ حسناته بالتراب والسراب وغداً بين يديّ الله يقال لأهل الشرك ولمن عملوا لغيره :
( اذهبوا الى من كُنْتُمْ تعملون لاجلهم فلا ثواب
ولا حسنات ولا رصيد لكم عندنا ) ..
( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) [الفرقان:23]
اللهم إنّا نعوذُ بك من انْ نشرك بك شيئاً نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه ..
اللهم اجعل عملنا لك صالحاً ولوجهك خالصاً
ولا تجعل لاحدٍ منه شيئاً ..
طهّر اعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، واعيننا من الخيانة ..
نعوذ بك من الشرك والرياء، والشهرة والسمعة، والعجب والغرور، والكبرياء وحبّ الظهور ياعزيز ياغفور ...
( وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ )
الحج : 31
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم واستغفروا الله لي ولكم إنّه هو الغفور الرحيم
الخطبـة الثانية:
أمّـا بعـد
أُعيد عليكم حديث مُعــاذٍ بن جبل رضي الله عنه، عن النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلّم أنّه قــال :" يطّلِـــعُ اللهُ إلى جميعِ خلقه ليلةَ النِّصفِ مِن شعبان فيغفرُ لجميعِ خلقه إلاّ لِمُشركٍ أو مُشاحن".
فالمغفرةُ والرحمةُ في ليلةِ النصف من شعبان نازلةٌ لجميعِ عبادِ الله المؤمنــين والموحــدين ....
إلاّ لصنفـــين من النّاس :
الصنــفُ الأول: مشــرك أشــرك بالله ..
وخطــرُ الشِّركِ عظيمٌ على التوحيدِ والعقيدة ..
أمّــا الصنّفُ الثانـي ممن حرموا مغفـــرةَ تلك الليله وتكفـــيرِ السيئات فهــم :
(( المشـاحنـــــون وأهلُّ القطيعةِ والخصـــام ))
الشحنـــاء ومــا أدراكــم مــا الشحنـــاء ؟؟
شــرها عظيــم، وخطـــرها جسيــــم، ووبـالهـا
يَعـمُّ ولا يخُـص ..
إنّها حِقدُ المُسلِم على أخيه المُسلِم مِن أجل هوىً في نفسِه ..
مشاحنـةٌ ومخاصمـةٌ وعــداوةٌ بين المسلمين، بين الآباء والأبنــاء، وبين الجــيران والإخـوان، وبين الأصحـاب والأصدقـاء، وبين القبائل والجمــاعات ..
فالأخٰ لا يُكلِّمُ أخــاه، والجـار لا يُخاطِبُ جـاره؛وعوائل وأسر تتطاحن فيما بينِها بشكل مستمر،
وخصومات وعداوات بل وشكاوي للنيابات وقضايا في المحاكم ومرافعات ..!
وكل هذا يَمنعُ المغفِرة في أكثرِ أوقاتِ المَغفِرة ..!
مــــاذا سيفعـل احـدنا لـو قيل لـه :
أنَّ راتبك سيتـم إيقافـه لمـدةِ شهرين او ثلاثة .!
او سيوقف لمدةِ سنة او سنتين .!!
ماذا سيفعـــل ؟! وكيف سيتصـــرف ؟!
مـؤكد أنّ هذا الشـخص سيفعلُ المستحيل لأجلِ راتبه، ولأجلِ هذا المال الذي يوفر له لقمة عيشة وأسباب بقاءه واستمرارِ حياته .!
واقلّ القليل سيبحث عن بدائل اخرى لإيجادِ ما يُعـوّضُ عن هذا الراتب .!
فــإذا كان كُلُّ هذا البحث والخوف والقلق بسبب توقف راتب او مال فماهو رأيكم يا أيها الإخــوة :
فيمن توقّف رفعُ عمله من صلاةٍ وزكاةٍ وصيامٍ وحج وذكر وصدقات وعبادات وقربات وغيرها !؟
هو يتعـب ويجتهــد وعمـله لا يُـرفــع !
يصلي وصــلاته لا تُــرفــع ؟!
يُزكـي ويتصـدق ولا يُــرفــع له شــيء !؟
هذا ليس كلامـي وليس من نسجِ الخيال او من الكــــلامِ الذي يُصـاغ للتعــبير او التأثــير .!
بل هو كـــلام سيد البشر عليه الصلاة والسلام . كـــلامُ الهــادي البشير .
فاسمعوا معـي لهــذا الحديثِ الخطــيرِ ..!
وتأمـلوا ما فيه من الخُــذلانِ الكبـــيرِ ..!
ففي الحديث الذي رواه مسلــم مـن حـــديث
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَــالَ : " تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ.."
هـاذين اليومين علامـةٌ على الغفـرانِ والإحسـان .! وفيهما يَصفحُ الله عن الذنـوب العظيمة ..!
وفيهما يُثبّتُ لكثيرٍ من النّاسِ الدرجة الرفيعة.
نعـــم احبـــابي الكـــــرام :
جاء في صحيح مُسلِمٍ عن أبي هُريرة رضي اللهُ عنهُ أنّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قال : " تُفتّح أبواب الجنّة يوم الاثنين ويوم الخميس؛ فيُغفَرُ لكُلِّ عبدٍ لا يُشرِكُ باللهِ شيئا إلاّ رجُلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال : أَنظِرُوا هذيْن حتّى يصطَلِحا.. أَنظِرُوا هذيْن حتّى يصطَلِحا.. أَنظِرُوا هذيْن حتّى يصطَلِحا " أي : أخــروا الغفران لهما حتى يصطلحـا.. واتركوا هاذين حتى يرجعـا إلى الصلح .!
لا إله إلا اللهُ..
كــم في هــذا الأسبـــوعِ من عبــاداتٍ.!
كــم فيه مـن طاعــاتٍ وقـربـات .!
كــم فيه مـن صلــواتٍ وصدقــات .!
كــم فيه مـن أذكــارٍ وتوبةٍ واستغفــار.!
كــم فيه مـن صيامٍ وبرٍّ للوالدينِ وصلةِ أرحام !!
ومــع ذلكَ لا يُغفــرُ لهذا العبــدِ..!
بل ولا يُنظــرُ فـي عمــلِه .!
فأيُّ خســارةٍ هــذه، وأيُّ مُصــيبةٍ تلك، وفي الحديث الذي اخرجه ابن ماجه في سننه بإسناد حسن عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاثة لا ترفع صلاتهم فوق رءوسهم شبرا :
رجلٌ أمّ قوماً وهم له كارهون، وامرأةٌ باتت وزوجها عليها ساخط، وأخوان متصارمان }
أعمالكما وصلاتكما لا ترفــع وإذا لم ترفـع فمعناه أنّها لم تقبل ..!
كلُّ ذلك بسببِ الشحنــاءِ والهجر لبعضكما .
هــذا يُعــرض، وذاك يُـعــرض .!
هـــذا يُصعرُ خــده، وذاك ينصرف بعيداً ..!
يلتقيان في مجلسٍ فيُصدّان عن بعضهما، في الشارع، في البقالة، في السوق، بل حتى في المسجد والعياذ بالله ..!
قد قادهما الشيطان واستولى على عقولهما، وربط أفكارهما وجعل كلٌ منهما يرفع رأسه ويُلوي فمه ويُعقّدُ بجبينه ويَعبس بوجهه.
والله، ما هكذا علّمنا الإســـــــلام .!
الإســـــلامُ دينُ الـرحمــة .!
الإســـــلامُ دينُ التعــاون.!
الإســـــلامُ دينُ الترابــط .!
الإســـــلامُ دينُ الألفــةِ والمحبـه .!
الإســـــلامُ دينُ الأخــوةِ والمــوده .!
الإســـــلامُ دينٌ يدعو للوحـــدةِ وعـدم التنافــر.!
يقــول عـــزوجل :
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُــونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُــونَ )
ويقول عــزوجل محذراً من أن يفترق المسلمون :
( وَاعْتَصِمُـوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُــوا )
والمؤمــنُ الحقيقي هو من اتصف بما وصف اللهُ به المُؤمِنين الذين يقولون : ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾[الحشر: 10].
إذاً شخصــان محرومـان من المغفــرةِ في ليلةِ النصف من شعبــان :
فالاول : بسببِ شركه فإن عمله هباء وكلما عمل عملاً فإنّ اجرُ ذلك العمل وحسناته يُضيعُ كالسرابِ وكأنّما يضعه في كيسٍ مخروقٌ من أسفله ..
والثاني : بسبب خصامه وحقده ونيران الغل الذي يتأجج في صدره بحق أخيه او أبيه او ايَّ شخص كانت تربطه به صداقة او تواصل فكلُ صلاةٍ
او صيامٍ او عبادةٍ اوطاعةٍ يؤديها فإنها لا ترفع ..
ولهـــذا لست مطالبًا في هذهِ الليلة بصيــامٍ،
ولا بكثيرِ قيام، ولا تلاوةِ قــرآن، ولابصدقةٍ او بذل،
ولا بمــزيدٍ من الطاعــات او العبــادات ..!
وتخصيص هذةِ الليلة وهذا اليوم بصلاةٍ أو صيامٍ أو قراءةٍ أو ذكرٍ بدعةٌ منكرةٌ عند اكثرِ اهلِ العلم ..
إنّما أنـت مطـالبٌ بأنْ تتفقد قلبك وتنقـهِ مــن الضغائن والأحقاد والخصومات كي تظفر بمغفرةِ الله في هذه الليلة ..
أنـت مطـالب بأن تراجــع توحيدك وتجعلُ طاعتك وعبادتك وتوجهك لله وحــده ..
فلا تتوكل إلاّ عليه، ولا تخاف إلاّ منه، ولاتخشى غيره، ولا ترجو سواه، ولا تذبح إلاّ له، ولاتحلف إلاّ به وبإسمه، ولاتطلب الشفاء إلاّ منه جل جلاله ..
عنوانك المستمر ونصبَ عينيك الدائم قوله تعالى :( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الانعام 162
اللّهم إنّا نسألُك العفو المغفِرة في الدُّنيا والآخرة.
اللّهمّ اغفر لنا ولإخوانِنا الّذين سبقونا بالإيمان،
ولا تجعل في قلوبنا غلاًّ للّذين آمنوا ربنا إنّك رءوف رحيم ..
اللهم اجعل عملنا لك صالحاً ولوجهك خالصاً
ولا تجعل لاحدٍ منه شيئاً ..
طهّر اعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب واعيننا من الخيانه ..
نعوذ بك من الشرك والرياء والشهرة والسمعه والعجب والغرور والكبرياء وحبّ الظهور ياعزيز ياغفور ...
اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، لا تؤاخذنا بمعاصينا
لا تؤاخذنا بتقصيرنا، لاتؤاخذنا بسيئاتنا ..
اللهم أنزل علينا سكينتك، وانشر علينا فضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، ويا رب العالمين ..
اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا اللهم رمضان ..
اللهم بلغنا رمضان ونحن في أتم الصحةِ والعافيه"ة
وفي امنٍ وآمانْ وسلمٍ وسلام وراحةٍ واطمئنان ..
بلغنا اللهم رمضان سالمين غانمين لا فاقدين ولامفقودين ..
ثم اعلموا انّ الله أمركم بأمرٍ بدأ به نفسه وثنى به ملائكته المسبحةِ بقدسه وثلّثَ به عباده من جنِّه وإنسه فقال :-
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....