الإســراءُ والمعــراج دروسٌ وعـبر
خطبــة جمعـــة بعنـــوان
الإســراءُ والمعــراج
دروسٌ وعـبر
ثـمّ أمّـا بـعـد أيها الكرام :
تمر علينا في هذه الأيام مناسبةٌ كريمة، وحادثة عظيمة، وذكرى عطرة مباركة .!
إنّها ذكرى الإسراء والمعراج على صاحبها افضلُ الصلاه وأتم التسليم ..
هذه الذكرى التي ستظل المصدر الذي يستقي منها المسلمون الدروس والعبر ، ويقطفون منها الدلالات والعظات .
وستظل الجرس الذي يُذكرهم دائماً وابداً بدورهم تجاه انفسهم، وتجاه دينهم، وتجاه أمتهم، وتجاه النَّاسِ أجمعين .!
هذه الذكرى التى وقفت أمامها العقول حائرة.
ووقف أعداءُ الإسلام أمامها بين مشككٍ ومصدق ليأتى قول الله ويَحسِم هذه القضية فيقول سبحانه وتعالى: ({ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }) الاسراء ( 1)
وقبل أن أقوم بسردِ دلالات هذه الرحلة الربانية المباركة، وقبل أن أخوض معكم في غمارِ بعض دروسها وعبرها وعضاتها ..
سأبدأ أولاً بسردِ حادثةٍ تمت قبل هذه الرحلة الربانية ..
ليعلم الذين كفروا أنّ الله ليس بتاركٍ عبده .!
ولِيزدادَ صبرُ الذين آمنوا، وليعلموا دائماً أنَّ
بعد العسر هو اليسر ، وبعد الشدةِ هو الفرج ..
ايها المسلمون، عباد الله :
قبل هذه الرحلة بفترةٍ ليست بكبيرة اشتدت المصائب على رسولنا الكريم ﷺ، بدايةً من وفاةِ أحبِّ زوجاته إليه السيدة خديجة بنت خويلد رضى الله عنها ..
ثمّ تبعها فى نفسِ العام وفاةُ خيرِ معينٍ ونصيرٍ
له فى وجه الكفار عمه ابو طالب ..
وقد كان حُزنُهُ على عمه حُزنٌ مضاعف وذلك لإصراره على كفره وموته عليه .
وبهاذين المصابين الجللّين تحيّنت حينها الفرصة المواتيه والمناسبة لقريش لإلحاقِ الأذى برسولِ صلى الله عليه وسلم ...
فأشتد إيذاءهم له ومن معه من الصحابةِ الكرام بكلِ أنواع وصور وأشكال وألوان الإيذاء والتعذيب ووسائله ..!
فأصبحَ الكلُ مُحَارَب .!
واصبحَ الكلُ مُضطَهد ..!
واصبحَ الكلُ مًطارد .!
واصبحَ الكلُ مشرد .!
واصبحَ الكلُ مؤاذى ومهان .!
فهذا صهيب، وهذا بلال، وهنا عمار، سدوا أمامهم كل الطرق والأبواب.!
وهنا سؤالٌ يطرح نفسه !؟
أين عمه الذى كان يحميه !؟ ... مات !!
وأين زوجته التى كانت تواسيه !؟ .. ماتت !!
الأمر الذى ادى بالرسولِ الكريم الى تغيير مكان دعوته وتَرْكِهِ لإحبِ البلاد إلى نفسه .
ويفر عليه الصلاة والسلام بدينه إلى الطائف،
لعله يجدُ فيها السلام والأمان والخير .!
لعله يجدُ فيها المناصر والمؤازر والمعين .!
لعله يجدُ فيها الرفيق والمساند والمتعاون .!
لعله يجد المأوى ليحتمى فيه ولكى يدعو إلى دينِ الله هناك..
فتوجه عليه الصلاة والسلام إلى الطائف يمشى على قدمه مايقرب من تسعين كيلو متر، لا يركب راحلة، ولا يسير على دابة، وبلا حراسة، ولا موكب، ولا جنود، ولاجيش، ولاخدم، ولا حشم، ولا قريب، ولا زوجة، ولا ولد ..!
وتحت حرارةِ شمسٍ لم يرى الإنسان مثلها ..
فالشمسُ من فوقه محرقة ..!
والرمالُ تحت قدمه ملتهبة ..!
ودموعُ النّبى على خدية، بأبي هو أمي ...!!
ووصل حينها رسول الله ﷺ إلى الطائف .!
لكنه وصلها منهكاً متعباً جائعاً ظامئاً ..
وفوق ذلك قام يدعو أهل الطائف إلى الله عزوجل،
رجاءَ من أهلها أن يؤوه، وينصروه على قومه، ويمنعوه منهم حتى يُبلّغ رسالةَ ربه ..
فلم يجد منهم ناصراً، ولم ير منهم معيناً..
إنّما آذوه أشدّ الأذى، ونالوا منه ما لم ينل منه قومه..
أغروا به سفهاءهم يرمونه بالحجارةِ حتى أُدميت قدماه الشريفتان..
لكنّه لم يستسلم بل استمر يقول :
" لا إله إلا الله "، وما هو إلاّ الردُ العنيف؟
قام الأول وقال :
أنا أسرق ثياب الكعبة إن كنت صادقاً.
وقال الثاني :
ما وجد الله إلاّ أنت ليرسلك.
وقال الثالث :
إن كنت نبياً فأنا أصغر من أن أتكلم على الأنبياء، وإن كنت كاذباً فأنا أكبر من أن أتحدث مع الكذابين.
وليتهم ضيّفوه ! لكنهم ما فعلوا .!
وليتهم أسقوه ! لكنهم ما فعلوا .!
وليتهم تركوه ! بل طردوه وأرسلوا عليه الصبيان والأطفال والعبيد يرمونه بالحجارة..
أما يرى اللهُ هذا المشهد ؟.
أما يرى رسوله يُهان هذه الإهانات ؟
ويعذب كل هذا العذاب ؟!
ويتلقى صنوف الأذى والشتم .؟!
اما يرى رسوله وهو يتلَقى الحجارة على قدميه الشريفتين، ورجله تسيل بالدم ؟؟
بل يراه سبحانه وتعالى .!
وهو مطلعٌ عليه جل وعلا، مطلعٌ على حاله، ومطلعٌ على سره ونجواه، وهو حافظه وحاميه وراعيه ..
لكنّه يريد ان يضع لأمةِ حبيبه دروساً لاينسوها في أنّ حبيبهم صلى الله عليه وسلم لاقى أصناف من الأذى والشدة والتعذيب لكنّه صبر واستمر يبلغ دعوة الله فكان عاقبة ذلك الخير والظهور لهذا الدين ونصرٌ لهذه الدعوةِ المباركة..
ايها الأحباب الكرام :
ويتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً
إلى مكة، عائداً إلى بلده التى أُخرج منها ..
ويعود إليها وحيدًا .!
يعود إليها طريداً .!
يعود إليها خائفًا يترقب .!
يعود إليها وكله آلآم .! وكله جراح ..!
قلبه مجروح، مبادئه مجروحة، عِرضُه مجروح،
كلُ شيءٍ في حياته يعيش الجراح .
يعود إليها ولم يستطع دخولها إلاّ بجوار رجل كافر هو الُمطعم بن عُدي بعد أن أجاره وحماه .
ولكَ أن تتصور اخي الحبيب هذه اللحظات :
جوع - عطش - تعب - إرهاق - جراح - آلآلآم .
صاحب دعوة مطارد، بل ودعوة مشردة، وأصحاب مطاردون في الحبشة، وآخرون معذبون في مكة .
وبينما هو عليه الصلاة والسلام كذلك وفي هذه الأجواء الحالكة، والظروف الصعبة، والأحوال المعقدة والمشهد الُمربِكْ .
بينما هو نائمٌ في الحِجر حَذو أولَ بيت وأكرمَ
بيتٍ وضعَ للنّاس !!
إذ بأمينِ وحي السماء جبريل عليه السلام يأتيه من عند فارجِ الهم، وكاشفِ الغم، جبار السماوات والأرض باستدعاءٍ خاص، لرحلةٍ تاريخيةٍ لم ينلها قبله نبيٌ مرسل.
إنّها رحلةُ ( الإســراءِ والمعــراج ) ..
من المسجدِ الحرامِ، إلى المسجد الاقصى ثمّ العروج به إلى ملكوتِ الله ..
صلَّى الإلهُ علَى النبيِّ محمدٍ
خيرِ الأنامِ وجاءَه التنْزِيلُ
وبفضلِهِ نطَقَ الكتابُ وبَيَّنتْ
بِصفاتِهِ التوراةُ والإنجيلُ
ذاكَ النبيُّ الهاشميُّ المصطفَى
قَدْ جاءَهُ التشريفُ والتفضيلُ
أسرَى بهِ المولىَ إلى أُفْقِ السَّما
فوقَ البراقِ وعندَهُ جبريلُ
وكأنّ اللهَ تعالى يقول للحبيب ﷺ:
إذا فقدتَ من يُسانِدُكَ؛ فأنا مولاكَ لا البشر ..
إذا فقدتَ مَن يُعطيكَ من مالِهِ؛ فأنا الرزاقُ
لا البشر ..
إذا فقدتَ من يحنو عليكَ ويحميكَ؛ فأنا الرحمن القادر لا البشر..
ولذلكم رحلةُ الإســراءِ والمعــراج رحلةٌ مباركة.. رحلةٌ طيبة، لم تكن تحدياً لأهلِ مكة بقدر ما كانت تشريفاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
بقدرِ ما كانت تكريماً لمكانته .! وإعلاءً لشأنه .!
ورفعاً لقدرة .! وتعظيماً لمنزلته .! وتجديداً لعزيمته.!
بقدرِ ما كانت مسحاً لجراحاته ..! وعلاجاً لأحزانه .! ودواءً لآلآمه ..! وبلسماً لأوجاعه .! وشفاءً كافياً لروحه وفؤاده ..!
بقدر ِماكانت تثبيتاً لقلبه ..! وتطميناً لنفسه ..!
وتصديقاً لرسالته .! واتباعاً لدينه .!
وإيماناً به وبدعوته .! وسيراً في طريقه .!
وبقدرِ ما كانت للمؤمنين به إختباراً لهم ..! وتمحيصاً لإيمانهم ..!
{ أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (.3) العنكبوت
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم وأقولُ ما سمعتم وأستَغفِرُ اللهَ لِي وَلَكم ولِسائِرِ المُسلمينَ من كلِّ ذَنْبِّ فاستغفروهُ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبه الثانية
ثـمّ أمّـا بـعـد أيها الكرام :
هذا الذي أَسرى لتسعدَ أمةٌ
وتنالَ فضلاً في الورى نِعماه ُ
هذا الذي ناداه ربه مرحباً
نِعمَ المجيءُ ونعمَ من حياهُ
هذا الذي جاءَ الكتابَ مبلغاً
عن صدقِ دعوته وعن مسراهُ
هذا الذي تَرِدُ الخلائقُ حوضه
يومَ القيامةِ مالها إلاهُ
فمحمدٍ نورَ العيونِ وعِزها
تُشفى الصدور بذكرها إياهُ
وله الشفاعةُ في الخلائقِ كلهم
يومَ القيامةِ لا شفيعَ سواهُ
أيها الأحباب الكرام :
ما من حادثٍ من حوادث الإسلام، أو مناسبة
من مناسباته إلاّ وتحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر .!
ولقد اشتملت كُلُّ دقيقة من هذه الرحلة المباركة وكُلُّ حدثٍ فيها على معانٍ كثيرة، ودروس عظيمة، ورسائل إلى الأمةِ وقد وجدتها أكثر من أن تحصى؛ ولا تسعها في هذه الدقائق المتبقية ..
لكنني إكتفيت بأهم هذه الدروس والعبر وما يحتاجه مجتمعنا في هذا الوقت وفي هذه الأحوال والظروف الراهنة ..!
وإليكم بعض هذه الرسائل والدروس التي تُرسِلُها إلينا هذه الرحلة المباركة، لعلنا ننتفع بها، ونعيش في ظلالها ونطبقها في واقع حياتنا تطبيقاً عملياً وتكون لنا نبراساً وهدى :-
• وأول دروس الإســراءِ والمعــراج :
أنّ الإسراء والمعراج يُعلمنا أن الله مادام هو الآمر فلا شك أنّه هو الضامن، والحافظ، والناصر.
أتطيعه ويتخلى عنك !؟
أتطيعه ويُسلِمكَ إلى عدوك !؟
أتطيعه ولا ينصرك !؟
أتطيعه ولا يحفظك !؟
أتعبده ولا يرعاك ولا يحميك !؟
اتقصده وتتوجه إليه ولا يساندك ويقويك !؟
هذا أخطر شيء في العقيدة، وهذا يؤدي إلى الشرك ..
فمادام الله هو الآمر، فهو حتماً الضامن :
= أمرك أن تستقيم على أمره، فهو يضمنُ لك نجاحك في الحياة.
= أمرك أن تُحسنَ تربيه أبناءك وبناتك، فهو يضمنُ لك سلامتهم وصلاحهم وبرّهم واحسانهم .
= أمرك أن تأخذ المال الحلال، فهو يضمنُ لك الرزق الوفير.
= أمرك أن تسير في طريقه الذي خطّه لك رسوله صلى الله عليه وسلم، فهو يضمنُ سعادتك .
= أمرك أن تترك الربا والمرباه، فهو يضمن لك البركة في حياتك والنماء لمالك والسعةَ في حالك .
= أمرك مهما عَظُمت المِحَن ومهما عَظُمَت المصائِب ومهما كَثُرت النَكَبات ومهما كَثُرت الفتن والمحن أن تلتجأ إليه، فهو يضمن لك النجاة والسلامة والرعاية والحفظ ..
فينبغي أن تكون ثقتك بالله قوية، وثقتك بهذا الدين صلبة ومتينة وعظيمة.
• ومن دروسِ الإســراءِ والمعــراج :
( درسٌ للدعاة إلى الله جل وعلا )
فهاهو النّبي عليه الصلاة والسلام بعد عودته
من رحلته الميمونة المباركة أراد أن يخرج للنّاسِ حتى يبلغهم فتشبثت به أم هانيء بنت أبي طالب وقالت له : يا رسول الله إني أخشى أن يُكذبُكَ قومك .! فقال عليه الصلاة والسلام: ((والله لأحدثنّهم)) وفي رواية قال (سأخبرهم وإن كذبوني) ..
وفي هذا درسٌ للدعاةِ إلى الله عزوجل أن يبلغوا أمانة الله تعالى رَضيَ النّاس أم سَخِطوا.
قَبِلَ النّاس أم رفضوا، وافق النّاس أم غضبوا .
وهو القائل عليه الصلاة والسلام :
((ومن التمس رضا النّاس بسخطِ الله سَخِطَ اللهُ عليه واسخطَ عليه النّاس)) .
وإذا كان أنبياءُ الله عزوجل يُتهمون بالكذبِ والسحر والجنون فليس في ذلك غرابة بعد ذلك أن يُتهم الدعاة إلى الله في واقعنا بالرجعية والتأخر.
نعم أيُّها الداعية الكريم :
حتى ولو رأيت الأذى من اقرب أقرباءك وهذا هو الحاصل في حياة الدعاة اليوم، ان يكون اكثر المؤذيين لهم ولدعوتهم، واكثر المتحدثين عنهم بالسوء هم من أقرباءهم .!
ومع ذلك الداعية الحقيقي الذي يعمل من أجلِ الله ويعيش من أجل الله ولا يرجوا الثواب والآجر
إلاّ من الله لا تؤثر فيه العبارات .!
ولا تنال من همته وعزيمته الإساءات .!
ولا تثبطه وتقعده وتضعفه الكلمات .!
ولا ينتظر مدحاً من أحد ولا ثناءً من آخر .
لأن قدوته في ذلك هو المصطفى عليه الصلاة والسلام الذي كان يدعوا الى الله ومن كان يقف في وجهه ويؤذيه بالقولِ والفعل هو عمه .!
ففي احدى الايام ورسول الله يقول:
“أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا”
إذ بعمه يسير خلفه ويقول :
لاتصدقوه إنّه ساحر ..
لاتصدقوه إنّه كاهن ..
لاتصدقوه إنّه كذاب ..
وهكذا أول من وقف فى طريق دعوته عليه الصلاة والسلام، وفي طريق رسالته، وفي طريق تبليغه هو عمه.. وأول من آذاه هو عمه .
ومع ذلك لم يثنيه هذا عن عزمه، ولم تؤثر في إرادته، ولم يُغير من همته في تبليغ رسالة ربه ...
• ومن دروسِ الإســراء والمعــراج :
( درسٌ في معية الله عزوجل لأنبيائه وأوليائه)
فعندما عاد الرسول صلى الله عليه وسلم من رحلته المباركة وحدّث الجميع بها ..
كذّبه كفار قريش ومنهم الوليد بن المغيرة الذي وقف ليوجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم سؤالاً خطيراً وكان هذا السؤال بمثابة السهم الأخير فى جعبتهم فقال :
يا محمد ! ما جربنا عليك كذباً .!
فإن كنت صادقاً وأنّه أُسري بك؛ فنحن نعرف بيت المقدس سافرنا إليه في التجارة، وعرفناه باباً باباً.
فصِفْ لنا بيت المقدس!؟
وإن لم تصفه لنا فمعنى ذلك أنّك لم تراه ولم تذهب إليه أصلاً ..!
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعلم الجميع لم يذهب إليه من قبل، ولم يره قبل ليلة الإسراء المباركة ولو مرة ..!
فكان هذا السؤال فى حدِّ ذاته معجزاً، ولا يستطيع محمداً صلى الله عليه وسلم أن يُجيب عليه، ذلك لأنّه رأى المسجد الأقصى ليلاً !!
ولم يكن قد رآه من قبل والأسئلة الموجهة إليه لايجيب عليها إلاّ من رأى المسجد الأقصى أكثر من مرة ، يقول عليه الصلاة والسلام:
((فأصابني كربٌ لم أُصبْ بمثلهِ قط))
ولم يكن حينها من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ الصمت مع التفكير العميق !!!!
ولكن حاشاه سبحانه وتعالى أن يترك أولياءه.
حاشاه سبحانه أن يخذل احبابه الذين أحبوه وأحبهم .
حاشاه أن يتخلى عن الصادقين الذين باعوا نفوسهم له سبحانه .
وفي هذه اللحظات العصيبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في صمتٍ مطبق، وتفكيرٍ عميق .!
إذا بأمين وحيِّ السماء جبريل عليه السلام يخترق الأفاق، ويضرب بجناحيه السبع الطباق، وينزل لرسول الله والمسجد الأقصى بين يديه بأمرِ من الله ووضعه أمامَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فصار النبىُ ينظر إليه كأنّه كتابٌ مفتوح، وأخذ يصفه لهم باباً باباً، ونافذةً نافذةً، وهو يقول لهم :
(بيتُ المقدس له أبواب كذا وكذا، ومدخله: كذا وكذا، ونوافذه كذا وكذا ).
( إنّا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) [غافر:51].
قد أسرع الصِّدِّيق وجاء إلى النبىِّ لكى يراه
وجدَ الرجال تُحيطهُ من كل صوبٍ كالجناة
سألوه كيف المسجدَ الأقصى وهل حقاً رأه
جعلوه يبدو شارداً من سؤْلهم يرجو النجاة
لكن ربُّ محمدٍ أعطاه نصراً واجتباه
فوراً أتاه صديقه جبريل من أمرِ الإله
قد جاءه بالمسجد الأقصى وتحمله يداه
قد صار بين يديه فى حجم الكتاب إذِ احتواه
قال له جبريل : فصف للقوم فوراً ماتراه
نصرَ الإلهُ محمداً فمحمدٌ هو مصطفاه
• ومن دروسِ الإســراء والمعــراج :
أنّ الإسراء كان من الكعبة البيت الحرام زادها الله تكريماً وتشريفاً وتعظيماً ومهابةً وعزةً ورفعة، إلى المسجد الأقصى أولى القبلتين، وفي ذلك إعجاز وإشارة أنّ هذه الأمة سترث بيت المقدس التي كانت آنذاك في يدِ الصليبيين .
هذه الأمة التي ستقود كل الأمم، وقد فعلت ذلك في فجر الإسلام، وستتقدم عليها ثانية كما تقدّم نبيها إماماً على جميعِ الأنبياء.
ولذلكم يجبُ ألاَّ ننسى أنَّ القدس وديعةُ سيِّدنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لكلِّ المسلمين،
ورسالة الأقصى :
أنّ على كلِّ مسلم واجب نحوَ البيت المقدس
أيًّا كان موقعُه وموضعُه، وفحواها:
• أنَّ التاريخَ قد سجَّل منذُ أزمان أنَّ أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب قد فَتَحها، وأنَّ صلاح الدِّين الأيوبيَّ قد حرَّرها، فسجِّلوا أنفسكم في ديوانِ النصر، فإنَّه قادم لا محالة، وقد يُبطئ زمنًا؛ لكن له موعدٌ قدَّره ربُّنا الرحمن سبحانه :
[{ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا }] .
أيّها الأحبةِ المؤمنين :
هذا بعض ما وردَ في ذكرى الإسـراءِ والمعـراجِ
بشكلٍ مبسطٍ ومُختصر عَلَّهَا تَكُونُ بُشْرَى خَيْرٍ ..
وَمُنْطَلَقاً لأُمَّةٍ تُريدُ الخلاصَ، وتسعى إليهِ بتقوى اللهِ عزوجل ..
ومنطلقاً إلى مزيدٍ منَ التَّمَسُّكِ بالشريعةِ والتَّخَلِّي عن الأهواءِ ..
ولتكُنْ هذه الذكرى محطةَ تأمُّلٍ واعتبارٍ لاستخلاصِ الحكمة في أن دوام الحال من المحال، والأحوال تتبدل، والدنيا تتحول، والعالم يتغير :
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ) (آل عمران: 140)، (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق: 7
اللهم يا موضع كل شكوى! ويا سامع كل نجوى!
يا عالم كل خفية! ويا كاشف كل بلية!
يا من يملك حوائج السائلين، ندعوك دعاء من اشتدت فاقته، وضعفت قوته، وقلّت حيلته،
دعاء المضطرين، الذين لا يجدون لكشفِ ما هم فيه سواك..
اكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعفٍ وفتورٍ وذلٍ وهوان..
اغفر يا رب ذنوبنا وذنوب المسلمين..
اللهم افتح مسامع قلوبنا على طاعتك، ونوّر بصائرنا بحسن عبادتك..
اللهم عمرّ قلوبنا بتقواك، وعمّر بيوتنا بعبادتك
واجعلنا اللهم من خيرة حملة هذا الدين..
(( إنَّ اللّهَ وملائِكتَه يُصلونَ على النَّبي يا أيَّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ))....