حسنــاتُ الإنسـان الجـارية له بعـد مـوته

حسنــاتُ الإنسـان الجـارية له بعـد مـوته

0 المراجعات

حسنــاتُ الإنسـان الجـارية له بعـد مـوته
أمّــا بعــــــد
يوم القيامـة يومٌ عظيم، وعلينا أن نَعـد العـدةَ لهذا اليوم العظيم، وعلينا أن نسارِع لنكتسب فضـائل الأعمــال الصالحة، ونَسعى لنَيلِ مغـانم الأفعـال والأقـوال الطيبة، ومـن أعظـمِ السبل لنيلِ الخـيرات     
            ( الحسنـاتُ الجـارية )
وهي الحسنات التي يستمر نَيل ثوابها بعد الموت، في وقتٍ يكون المسلم في أشـدِّ الحاجة للحسنات.
إنّهـا التجارةُ الرابحة التي بها يَسعدُ المسلِم في حياته وبعـد ممـاته وفي آخرته، والله سبحانه يقول في أعظمِ وصفٍ وأبلغ كلام في وصفِ الآخـرة: ﴿ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ [الأعلى: 17].
 
ولهـــذا فرسـالةُ اليوم هي إلى كل أولئك الـذين يؤرِّقهـم اليومُ الذي سيلقـون فيه ربَّ العـزةِ جل جـلاله.
رسـالةُ اليوم إلى كل مـن يخشوْنَ ربهم ويخافون ســوء الحسـاب.

رسـالةُ اليوم إلى كلِّ مـن يتحسر ويتألم إذا تذكَّر:
أنّه سيأتي عليه اليوم الذي يُوَارَى فيه التراب.

رسـالةُ اليوم إلى كل مـن يَعلَمُ أن انقطـاع أجلِه يعني انقطـاعَ عملِه، وانتهـاءَ حُلمِه وأملِه.

رسـالةُ اليوم إلى كل مـن يتفطرُ قلبه، ويطيشُ لبه، إذا تذكـر أنّ بعـد المـوت حسـابًا ولا عمـل.
 
رسـالةُ اليوم إلى كل مـن اضطرب فؤاده، ورحـل عنه رقاده، إذا علم أنّه لن يمكِنَه أن يُحصّل حسنة واحـدة بعد الموت، وتذكَّر أنّ الحسـرة بعد الفوت.
 
رسـالةُ اليوم إلى كل مـن يبكي كمـا بكى يزيد الرقاشـي رحمـه الله وهـو يقــول:
"يا يزيد، مــن يُصلي عنك بعــد المــوت؟"
 
رسالتنا اليوم إلى كل هــؤلاء هي وصيةٌ مـن خير الأنـام ورسـول المحبة والرحمـة المهــداة، ونصُّ الوصية: فيما روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه أنّ رسـول اللهِ صلى الله عليه وسلـم قـال: ((إذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)).
ثلاثةُ أصنافٍ مـن النّاس، يبقى عملهـم مـاضيًا وجـاريـًا وربُّهـم عنهـم راضيًا، ثلاثةُ أصنافٍ مـن النّاس، يتوسـدون التراب، ويتضاعـفُ لهـم الأجــرُ والثواب، ثلاثةُ أصنافٍ مـن النّاس، لم يكتفوا بالعمل حال الحياة، بل ظلُّـوا يعملـون لمـا بعـد الممـات، ثلاثةُ أصنافٍ مـن النّاس:
أولهم: صاحبُ الصدقة الجـارية.
ثانيهم: معلِّـمُ النّاس الخـيرَ.
ثالثهم: مـن ترك ولدًا صالحـًا يدعو له.
 
ولو اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقةِ الجارية لدخل فيها المعلـم الخير؛ لأنّ أعظـم مـا يُتصدق به ويُعطى هو العلم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
 
أمّا الـولدُ الصالح فهو مـن عمـل العبد؛ كما في الحديث الذي رواه الترمذي والنسائي عن عائشة رضي الله عَنها قالت: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِن أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ)).
 
ويوم قال نـوحٌ عليه السـلام: ﴿ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [هود: 45]، فقـال له الله تعالى: ﴿ يَانُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ [هود: 46].
 
لذلك صـاحبُ الصـدقةِ الجـارية مـا أكيسه ومـا أشـدَّ فطنته، لم يكتفِ بالأجـور العظيمة والخـيرات العميمة التي ينالها المتصدق في الدنيا، بل قفـز ليجعل الأجـور تصله إلى مـا بعـد الموت.
 
ولا يخفـى على أحـدٍ فضلُ الصـدقـة؛ فهي مـن أوسـع أبواب الخير، وأدفعهـا للشرِ والضـير..
 
هي عنوانُ الكرمِ والجـود، وأشرفُ ملابس الدنيا في الـوجود، إنّهـا أجلبُ الأعمــالِ للحمد، وأدفعُهـا للــذَّم، وأسترُهـا للعيب، ولو لـم يكن فيها إلاّ أنّها صفـةٌ مـن صفاتِ المولى تبارك وتعالى لكفى، فقد روى الترمذي عن سعد بنِ أبي وقاصٍ رضي الله عَنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((إِن اللهَ طَيبٌ كَرِيمٌ يُحِب الْكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِب الْجُودَ)).
 
فاسمُها صدقة؛ أي: هي دليلٌ على صدقِ الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لذلك جاء في الحديث الصحيح: ((وَالصدَقَةُ بُرْهَانٌ)).
 
قـرن الله ذكرها مـع الإيمان في أكثر مـن موضـع في القـرآن، وقرنهـا بالفـلاح، فقـال: ﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [البقرة: 3] حتى قال: ﴿ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 5].
 
ووعـد سبحانه المتصدِّقين بالأجـرِ العظيم يومَ يقـومُ النّاس لـربِّ العالمـين، فقـال: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261].
 
الصـدقـة مـن أعظـمِ مكفّـرات الذنوب، وقد روى الترمذي عن كعبِ بنِ عجرةَ رضي الله عَنه قَـالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ، الصدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النارَ)).
 
وصاحبها تحت ظل الله يوم لا ظل إلاّ ظله؛ فقد روى أحمد عن أبي الخيرِ أنه سمع عقبةَ بنَ عامرٍ رضي الله عَنه يقـول: سمعت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم يقـول: ((كُل امْرِئٍ فِي ظِل صَدَقَتِهِ حَتى يُفْصَلَ بَيْنَ الناسِ، أَوْ قَالَ: يُحْكَمَ بَيْنَ الناسِ))، قـال الـراوي عـن أبي الخـير: "وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً".
 
واللهُ يبارك للعبد بصدقته، ويُضيقُ على الممسـك فلا يرى شيئًا مـن بركته؛ روى البخاري ومسلم عـن أبي هريرةَ رضي الله عَنه أن النبي صلى الله عليه وسلـم قـال: ((مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللهُم أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا! وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللهُم أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا!)).
 
كلُّ هـذا الفضل، وكلُّ هـذه الأجـور تصـل إلى المتصدقين، ولكنه لا ينمـو بعـد مـفارقة الحياة، 
لا يستمــر، بل يتوقف الأجـر عند الوفـاة، إلاّ هـذا اللبيب صـاحبُ الصـدقةِ الجــارية، فهـو في عيشةٍ راضية، وفي روضةٍ من ريـاضِ الجنّة وفي نعيـمٍ مقيـم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وجـوهـًا للصـدقةِ الجـارية، ذكرها ابن ماجه في روايته عن أبي هريرة رضي الله عَنه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((إِنّ مِما يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحتِهِ وَحَيَاتِهِ، يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)).
 
أقول مـا سمـعتم وأستغفـر اللـه لي ولكم مـن كل ذنـب، فيا فـوز المستغفرين، ويا نجاة التـائبـين.
 
الخطبـــة الثانيــــة
أمّــا بعــد أحبتــي الكرام:
ففي الحديث الذي حسَّنه الألباني عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعٌ يَجري للعبد أجرُهن وهو في قبره بعد موته: مَن علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته)).
 
هـذا الحديثُ العظيم يُبين مـوارد الخير لاكتساب الحسَنات الجارية، وهي وسائل ميسَّرة بفضلِ الله تعالى لمن أراد الآخـرةَ وسعى لها سعيَها، وفي استطاعة المسلم نَيلُ هذه الأجـور العظيمة.
 
هـذا الحديث يوضحُ جليًّا أنّ كل إنسان مرتهـن بعمله، متوقفٌ عنه الثواب والأجر والحسنات بعد موته إلاّ هـؤلاء: من علَّمَ علمًا، ومن غرسَ نخلًا، ومـن أجـرى نهـرًا، وغيرهم، فإن رصيدهم ينمو، وعـدادُ حسناتهم مستمـر، والثوابُ متواصل لا يتوقف إلى أن يرث الله الأرض ومـن عليها.
 
وللحسناتِ الجـارية يا مسلمـون صـورٌ كثيرة، ومــن أبـرز وأهـم صـور الحسنات الجـارية للإنسـانِ بعــد مـوتـه:
* إهـداءُ مصحف أو العديد مـن المصـاحف على المسلمين، أو توزيعهـا على المســاجد؛ لأن قـراءة القـرآن الكريم لهـا أجـرٌ عظيم.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: (إطعــامُ الجــائعين).
ونحن في زمـن ضرب فيه الجـوع والمجـاعة بلدانًا كثيرة، فأسرٌ تفترش الأرض، وأخرى ينام صبيانها ويستيقظون على لحمِ بطونهم، وآخرون يتساقطون من الجوعِ يوميًّا، وآخـرون لجؤوا إلى طلبِ ما بأيدي الناس ليُوفروا لقمةً لأولادهم وفلذات أكبادهم، وأحسن هـؤلاء حـالًا مـن يأكلون وجبةً واحــدةً في اليوم.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: (تفـريجُ الكُـرب).
وكم مـن مسلمٍ لا ينام الليل مـن الهمومِ والغمـوم والـديون التي لحقته وأثقلت كاهلـه وأرَّقت منامه.
وكم مـن مسلمٍ يحتاج إلى ريالات ليسافر لزيارةِ أبنائه ولا يجـد، والرسـول صلى الله عليه وسلـم يقـول: ((ومن فرَّج عن مسلمٍ كربة، فرَّج الله عنه بها كربةً من كربِ يوم القيامة)).
 
• ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: (هـدايةُ الضال).
وكم مـن أبنـاءِ المسلمين مـن يعيش في ظلماتِ الشـركيات والبدع والخـرافات والضلالات!
وكم مـن كافرٍ يتلمس طـريق الحـقِّ ولا يجده!
والرسول صلى الله عليه وسلـم هـو القائل: (((لئن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حُمرِ النَّعم)).
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: إيقافُ الأراضي على المقابر لدفنِ موتى المسلمين بها، ففي سنن البيهقي أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ غَسلَ مُسْلِمًا فَكَتَمَ عَلَيْهِ غَفَرَ اللهُ لَهُ أَرْبَعِينَ مَرةً، وَمَنْ حَفَرَ لَهُ فَأَجَنَّهُ أُجْرِيَ عَلَيْهِ كَأَجْرِ مَسْكَنٍ أَسْكَنَهُ إِياهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَفَّنهُ كَسَاهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سُنْدُسِ وَإِسْتَبْرَقِ الْجَنةِ))، كذلك الـوقف على فـكِّ الرقـاب، وإعتاقِ المسجونين الغـارمــين، والله سبحانه يقـول: ﴿ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ ﴾ [البلد: 11 - 13].
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: تربيةُ الـولـد تربيةً سليمـة على أُسـسٍ شـرعية؛ فتنال أجـر استغفَـارِه لك حيًّا وبعـد الممـات.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: تعليمُ الأطفـال سورةَ الفاتحة؛ من أبنائك وإخوتك وأبناء إخوتك وأبناء جيرانك وغير ذلك، فسيصلُّون بسورةِ الفاتحة طَوالَ حياتهم، في ركنٍ من أركانِ الصلاة، وبفضلِ الله تعالى سيعلِّمونها لغيرهم فيما بعد، وسارِع بتعليمهم آيةَ الكرسي وخواتيم سورة البقرة وسور "الكافرون" والإخلاص والمسد والنّاس، وهي سور وآيات عظيمة لها فَضلٌ عظيم.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: إهـداءُ سجادة صلاة لوالدتك وأخواتك، وخالاتك وعماتك؛ ففي كل مرة تنال أجرَ الصلاة، وبفضل الله تعالى سيتم توارُث هذا الخير لوقتٍ طويل.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: تعبيدُ الطـرق للمسلمين وشقهـا وتمهيدها، ففي مسند أحمد عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أَنـهُ قَـالَ: ((مَنْ زَحْزَحَ عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يُؤْذِيهِمْ، كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهِ حَسَنَةً، وَمَنْ كُتِبَ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةٌ، أَدْخَلَهُ اللهُ بِهَا الْجَنةَ))، كذلك إنشـاءُ القناطـر على الأنهـار، وحفـرُ الآبـار في القرى والبوادي النائية، وإجـراءُ المــاء، ومـدُّ الأنابيب وتركيبُ المضخـات، وقـد قال صلى الله عليه وسلم: ((من يشتري بئر رومة وأضمن له الجنة؟!))، فاشتراها عثمان رضي الله عنه وجعلها وقفًا دائمًا على المسلمـين.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: المساهمـة أو المشـاركة في بنـاءِ دورٍ للأيتامِ أو المسـاكين الذين لا يجـدون مسكنًا يقطنون فيه، ولا بيتـًا يـؤون إليه..
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: بناءُ المساكن المناسبة لطلابِ العلم لتحصيل العلم النافع فيها، وبناءُ الاستراحــات على الطـرق الطويلة التي تحتوي على بعضِ الخدمـات المهمــة كدوراتِ المياة وغير ذلك ممّا يستفيد منه العابرون على تلك الطرق.
 
* ومـن صـورِ الحسنـات الجـارية للإنسـانِ بعـد مـوته: بناءُ المساجد أو المشارَكة في بناءِ مسجد قدر الاستطاعة ولو بشيءٍ يسير، والله تعالى يقـول: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ ﴾ [التوبة: 18].
 
وروى البخاري ومسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بنى مسجـدًا لله تعالى يبتغي به وجه الله، بنى الله له بيتًا في الجنّة)).
 
وروى ابن ماجه بلفظ: ((من بنى مسجدًا لله، ولو كان كمفحصِ قطاةٍ...)) والمفحص هو عش الطير، والقطاة: طائر يشبه الحمام.
 
((من بنى مسجدًا لله، ولو كان كمفحص قطاةٍ أو أصغر، بنى الله له بيتًا في الجنّة)).
 
ويدخل في ذلك من سـاهم في شرائه أو بنائه، أو عملَ فيه بيده، أو دفع أجرة العاملين، ونحو ذلك من العملِ الذي يُنسب إلى صاحبه أنّه ساعد في بناءِ المسجد بنفسه أو ماله.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: إهـداءُ بعض النسـاء الفقيرات ماكينات خياطـة وتطريز لتعمل عليها وتستفيد مــن دخلهـا، وكـذا إعطــاء الفقـراء بعـضَ أدوات الزراعـة كالحـراثات والحصـادات والمناجل، والبـذور والشتلات التي تُنتج مـرة مـن بعـد مـرة.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: إهـداءُ الحقائب المدرسية التي تحتوي على لوازم الدراسة مـن أقـلامٍ ودفاتر وألـوان ومـراسم لأبنـاء الفقـراء عند بداية العـام الدراسـي.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: بناءُ وإنشــاءُ المراكز الطبية، أو المصحاتِ النفسية، أو المساهمة في بناءِ المستشفيات لعـلاجِ المرضى وخاصـةً مـن الفقـراء والمحتاجين.
 
فكم مـن مـريض لا يجـد سـريرًا وهـو بأمسِّ الحـاجة إليه؟! وكم مــن مـريض يأن؟! وكـم مـن صغير يموت؟! وكم مـن مريض احتـاج إلى غسيلٍ للكلى وعـانى الأمـرين ليجـد مـوعدًا؟! وكم مـن المرضى الذين يرهقهم البحثُ عن عـلاجٍ أو عـن دواءٍ ولا يجـدونه؟! وكم مــن مريضٍ بحاجـةٍ إلى دواءٍ لا تتجاوز قيمته مـن الخمسة إلى العشـرة آلاف ريال.. والمساهمـة في تخفيف الألـم ورفـع المعاناة ودفـع الضرر ودوام نفـع ذلك للفقـراء والمعـوزين مــن أفضلِ أبواب الصـدقات الجـارية.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: غـرسُ الشجر الذي يستفيد الناس من ثمره أو ظله أو ورقه أو جذوعه، ففي الصحيحين قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ)).
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: شـراءُ بـرادات المياه ووضعهـا في مكانٍ عــام ليَشرب منه المـارة في الطـريق أو في المسجـد.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: رعـايةُ مـدارسِ تحفيظ القرآن الكريم التي ينتفع بهـا أبناء المسلمين، والتكفل برواتب المعلمـين والمعلمـات محفظي كتاب الله عــز وجل.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: نَشـرُ المعلومات الشرعية على مواقــع التواصل الاجتماعي، وكلُّ مـن يتعلم هـذه المعلومات الشـرعية يدخـل في باب عِلـمٍ يُنتفع به.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: نَشـرُ المواقـع الدعوية، والصروح الإسلامية، وكل ما يترتب على نشرك لهذه المواقع من خير يكون في ميزان الحسنات الجارية بفضل الله تعالى.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: تعليمُ الغير فضائلَ بعض الأذكار؛ مثلُ فضائل قـول: "سُبحان الله العظيم وبحمده"، فتنال نخلةً في الجنة في كل مـرة؛ كما صح ذلك عـن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
• ومـن صـور الحسنـات الجـارية للإنسـان بعـد مـوته: المساهمـةُ في نَشـر الأحاديث الدالة على فضل الحسنات الجارية؛ ومن يعلم فضلها ويعمل بها يكتسب أجـرها بفضل الله تعالى.
 
• ولو قَـدرَ اللهُ أن يعجز المـرءُ عن المشاركة في بِناء مسجد، أو شـراء مبرد مياه، أو تعبيد الطـرق أو دعـم المرضى، أو توزيع نسخ القـرآن، أو غــرس الشجر وغيرها، فليصحح نيتَه وليَصدُق مـع الله تعالى، ليَنَالَ أجـرَ مـن أنفق في سبيل الله تعالى؛ فقد روى الترمذي وأحمد عن أبي كبشة الأنماري رضي الله تعالى عنه أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقـول: ((إنما الدنيا لأربعـة نفـرٍ:
• عبد رزقَهَ الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصلُ فيه رَحِمه، ويَعلمُ لله فيه حقًّا؛ فهذا بأفضل المنازل.
 
• وعبد رزقه الله علمًا ولم يَرزقه مالًا، فهو صادِق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملتُ بعمل فُلانٍ، فهو بنيته، فأجرُهما سواءٌ.
 
• وعبد رزقه الله مالًا ولم يَرزقه علمًا، فهو يَخبطُ في ماله بغير علمٍ، لا يتقي فيه ربه، ولا يصلُ فيه رَحِمَه، ولا يَعلم لله فيه حقًّا؛ فهذا بأخبث المنازل.
 
• وعبد لم يَرزقه الله مالًا ولا علمًا فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملتُ فيه بعمل فُلانٍ، فهو بنيته، فوِزرُهما سواءٌ)).
 
فأنت يا مـن أعطـاك الله ووهبك وزرقـك ومنحـك وأمـدَّك بماله، كلها سنوات قليلة وسـوف ترحـل مـن فـوق الأرض إلى تحت الأرض.
 
فمـن أين لك بالحسنــاتِ التي تجـري عليك؟!
 
إنهـا الأوقـافُ التي تدفـع إليك الحسنات في وقتٍ أنت أحـوج مـا تكون إليها..
 
نعــم، دريهمات قليلة تجعلها في طريقِ الله وتضعها في يد الله هي لك في الغـد وأنت في لحـدك وحيدًا ذخـرًا ونجـاةً وسعـادةً وســرورًا ونورًا وانشـراحًا وأنسـًا وأمنـًا وأمــانًا إلى أن تلقى الله.
 
اللهم أحينا على التوحيد سعداء، وأَمِتْنا على التوحيد شهداء، وارزقنا ومن نحب مرافقة سيد الأنبياء، ومنازل الصديقين والشهداء، والنصر على الأعداء، يا سميع الدعاء.
 
اللهم ارزقنا كل أبواب الخير، وجنبنا كل أبواب الشر.
 
اللهم ارزقنا وأهلنا ومن نحب الجنةَ بغير حساب، وجنبنا والمسلمين سوءَ الخاتمة والعذاب.
 
ثــم اعلمــوا أن الله أمركــم بأمــرٍ بدأ به نفسه، وثنـى به ملائكته المسبحــةِ بقدسه، وثلَّثَ به عبــاده من جنـه وإنســه، فقــال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].

التعليقات ( 0 )
الرجاء تسجيل الدخول لتتمكن من التعليق
مقال بواسطة

المقالات

22

متابعين

5

متابعهم

0

مقالات مشابة