
فضل الصيام التطوعي وأثره الروحي
يُعَدّ الصيام من أجلّ العبادات التي شرعها الله تعالى لعباده، وهو ركن من أركان الإسلام العظيمة. قال الله تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].
ولم يقف فضل الصيام عند صيام الفريضة في رمضان، بل امتد ليشمل الصيام التطوعي الذي يتقرب به المسلم إلى ربه في غير رمضان، طلباً للأجر وزيادة في الطاعة ورفعة في الدرجات.
أولاً: معنى الصيام التطوعي وفضله
الصيام التطوعي هو ما يؤديه المسلم من صيام الأيام غير المفروضة، مثل الإثنين والخميس، وصيام الأيام البيض، وصيام يوم عرفة، وعاشوراء، وست من شوال، وغيرها. وقد رغب النبي ﷺ في هذا الصيام، فقال:
"من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً" [رواه البخاري ومسلم].
كما قال ﷺ: "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر" [رواه مسلم].
وهذا يدل على أن فضل الصيام التطوعي عظيم، فهو يجبر النقص الذي قد يقع في صيام الفريضة، ويرفع الدرجات، ويقرب العبد من ربه.
ثانياً: الأثر الروحي للصيام التطوعي
الصيام ليس مجرد امتناع عن الطعام والشراب، بل هو تربية للنفس وتهذيب للروح. وقد بين النبي ﷺ ذلك في قوله:
"الصيام جُنّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم" [متفق عليه].
ومن أبرز آثاره الروحية:
تعميق الصلة بالله: إذ يضحي العبد بلذاته وشهواته من أجل مرضاة ربه، فيجد حلاوة القرب منه.
تزكية النفس: يعوّد الصيام المسلم على الصبر والتحكم في الشهوات والغضب.
صفاء القلب: عندما يبتعد المسلم عن الذنوب والمعاصي، يشرق قلبه بالطمأنينة والسكينة.
زيادة التقوى: وهي ثمرة الصيام الكبرى، كما قال الله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183].

ثالثاً: أثر الصيام التطوعي في المجتمع
الصيام لا يقتصر أثره على الفرد فقط، بل يمتد إلى المجتمع كله. فهو يزرع التكافل الاجتماعي، حيث يشعر الصائم بجوع الفقير فيدفعه ذلك إلى العطاء والرحمة. كما أن صيام الإثنين والخميس مثلاً يجمع المسلمين على طاعة مشتركة، فيعزز روح الأخوة والمحبة بينهم.
وقد قال النبي ﷺ في الحديث الشريف: "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" [رواه مسلم]. والصيام التطوعي من أعظم ما يحقق هذا التواد والتراحم.
رابعاً: الفوائد الصحية للصيام التطوعي
إلى جانب أثره الروحي والإيماني، فإن الصيام التطوعي له فوائد صحية متعددة أثبتها الطب الحديث، منها:
تقوية جهاز المناعة.
مساعدة الجسم على التخلص من السموم.
تنظيم مستوى السكر في الدم.
تقليل الدهون وتحسين صحة القلب.
لكن المسلم لا يصوم طلباً لهذه الفوائد الدنيوية فقط، وإنما يصوم تقرباً إلى الله، فإذا اجتمع الأثر الديني مع الفوائد الصحية، كان في ذلك خير عظيم.
خامساً: صور من الصيام التطوعي
من أبرز أنواع الصيام التطوعي التي كان النبي ﷺ يحافظ عليها:
صيام الإثنين والخميس: قال ﷺ: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" [رواه الترمذي].
الأيام البيض (13-14-15 من كل شهر هجري): وقد ورد أن النبي ﷺ كان يحث عليها.
صيام يوم عرفة: قال ﷺ: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والسنة التي بعده" [رواه مسلم].
صيام يوم عاشوراء: قال ﷺ: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله" [رواه مسلم].
ستة أيام من شوال: وهي سنة مؤكدة بعد رمضان.
سادساً: كيف نحافظ على الصيام التطوعي؟
الاستمرار على الصيام التطوعي يحتاج إلى عزيمة صادقة وتنظيم للوقت. يمكن للمسلم أن يبدأ بصيام الإثنين والخميس، ثم ينتقل إلى صيام الأيام البيض، ويغتنم المواسم المباركة مثل يوم عرفة وعاشوراء. والأهم أن يستحضر النية الخالصة لله تعالى، فقد قال النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" [رواه البخاري ومسلم].
خاتمة
الصيام التطوعي عبادة عظيمة تجمع بين الروحانية والتقوى والصحة، وتمنح المسلم فرصة متجددة للتقرب من ربه بعد رمضان. وهو طريق لتزكية النفس، وتهذيب السلوك، وتعزيز الروابط الاجتماعية. فلنحرص على هذه العبادة المباركة، عسى أن نكون من الذين قال الله فيهم:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ، كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الذاريات: 15-18].