
قيمة بر الوالدين في جلب البركة
يُعَدّ بر الوالدين من أعظم القيم الإنسانية والشرعية التي أولى الإسلام لها عناية خاصة. فالوالدان هما السبب الأول في وجود الإنسان، وهما اللذان تحملا المشاق منذ لحظة الحمل حتى الكِبر. لذلك جاء أمر الله تعالى ببر الوالدين مقرونًا بعبادته، قال سبحانه:
﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [النساء: 36].
وهذا الاقتران العظيم يوضح أن بر الوالدين ليس خُلقًا عابرًا، بل عبادة تُقرب المسلم إلى الله عز وجل، وتفتح له أبواب البركة في حياته ودنياه وآخرته.
البركة في العمر والرزق
من أهم صور البركة التي يجنيها البار بوالديه: طول العمر وسعة الرزق. فقد قال النبي ﷺ: "من أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه" [رواه البخاري ومسلم]. وأعظم الرحم هما الوالدان، فمن أحسن صحبتهما ورضاهما عاش حياةً مباركة، يجد فيها الخير في وقته وجهده ورزقه. وقد لاحظنا من سير الصالحين أن البارين بوالديهم كانوا أوفر الناس رزقًا وأطولهم أعمارًا بركةً، وإن قَصُرَت أيامهم.
بر الوالدين سبب لمغفرة الذنوب
العقوق من الكبائر المهلكة، كما ورد عن النبي ﷺ أنه قال: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين" [رواه البخاري]. وإذا كان العقوق كبيرة عظيمة، فإن البر على العكس تمامًا: باب لمغفرة الذنوب ورضا الله تعالى. فقد قال النبي ﷺ: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد" [رواه الترمذي]. فمن أراد رحمة الله وغفرانه فليجعل بر والديه غايته في الحياة.

البركة في الذرية والأبناء
من جَزاء الله العادل أن يجعل البار بوالديه يرى ثمرة برّه في ذريته. قال بعض السلف: "برّوا آباءكم تبرّكم أبناؤكم." وهذه سنة كونية جارية، حيث إن البِرّ يورث البركة في الأبناء والأحفاد، فينشأ الجيل على الرحمة والوفاء وصلة الرحم. وهذه البركة قد تمتد لتشمل المجتمع كله، إذ أن الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء الأمة.
بركة الدعاء المستجاب
من أعظم أبواب البركة أن دعوة الوالدين مستجابة لا تُرد، فقد جاء في الحديث: "ثلاث دعوات لا تُرد: دعوة الوالد، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر" [رواه البيهقي]. والبار بوالديه يفتح على نفسه بابًا عظيمًا من الخير، إذ ينال دعواتهما المباركة التي تكون سببًا في توفيقه وسعادته. كم من إنسان ارتقى في عمله أو وُفّق في زواجه أو فُتحت له أبواب الرزق بدعوة صادقة من قلب أم أو أب راضٍ
أقوال مأثورة عن بر الوالدين
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إني لا أعلم عملًا أقرب إلى الله من بر الوالدة."
وقال الحسن البصري: "بر الوالدين كفارة الكبائر."
وقال بعض الحكماء: "من برّ والديه زاد الله في عمره وبارك له في ماله."
هذه الأقوال تعكس مكانة البر في نفوس السلف والعلماء، وكيف أدركوا أنه سر من أسرار البركة والتوفيق.
صور عملية لبر الوالدين
لا يقتصر البر على الكلمات الطيبة، بل يشمل أفعالًا كثيرة، منها:
الطاعة في المعروف: طاعة الوالدين في كل ما لا يخالف أمر الله.
الإنفاق عليهما: ولو كانا غنيين، فإظهار الاهتمام المالي والمعنوي بركة.
خفض جناح الذل رحمةً: كما قال تعالى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24].
الدعاء لهما: في الحياة وبعد الممات، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾ [الإسراء: 24].
صلة أرحامهما بعد وفاتهما: وهو من أعظم صور البر المستمر.
الخاتمة
إن بر الوالدين ليس مجرد واجب شرعي، بل هو سر من أسرار البركة في الدنيا والآخرة. فمن أراد السعادة والنجاح والتوفيق فعليه أن يسعى لرضا والديه في حياتهما وبعد وفاتهما. ولقد جعل الله بر الوالدين بابًا واسعًا لرحمته وفضله، فمن فاز به عاش حياةً مطمئنة، ورزقًا واسعًا، وأثرًا طيبًا يبقى في ذريته.
فلنجعل من بر والدينا منهجًا دائمًا، لا مجرد سلوك وقتي، حتى ننال رضا الله وبركته في الدنيا والآخرة.