كل إنسان في لحظة ما رفع إيديه للسما وقال: “يا رب”. يمكن كانت لحظة ألم، أو ضيق، أو أمل في حلم بعيد.
بس بعدها حس إن الدعاء راح… ما فيش إجابة، ولا حاجة اتغيرت.
وهنا بييجي السؤال اللي بيهز القلوب:
ليه الدعاء مش بيُستجاب؟
هل ربنا مش سامع؟
ولا في حاجه إحنا مش فاهمينها؟
القرآن والسنة علمونا إن الله لا يردّ دعاء عبدٍ صادق، لكن فيه أسرار دقيقة بتحكم استجابة الدعاء، وأحيانًا بيكون الخير في التأخير، مش في المنع.
أولًا: الدعاء عبادة مش مجرد طلب
قال الله تعالى:
"وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ" (غافر: 60)
ربنا سمّى الدعاء “عبادة”، مش “وسيلة”، لأن لحظة الدعاء هي قمة العبودية والخضوع.
انت لما تدعي، بتعلن فقرَك وضعفك، وده في حد ذاته قرب من ربنا.
يعني حتى لو الدعاء ما اتقبلش في الدنيا، فالثواب مكتوب، والرحمة وصلت.

ثانيًا: أسباب تمنع استجابة الدعاء
كتير من الناس بيستغربوا ليه ما بيلاقوش نتيجة، رغم إنهم بيدعوا كتير. النبي ﷺ وضّح لنا الأسباب في الحديث الشريف:
"يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرَامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وغُذِّيَ بالحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لَهُ؟" (رواه مسلم)
يعني ممكن يكون سبب عدم الاستجابة مال حرام، أو ظلم، أو قلب غافل.
ولذلك قال العلماء: “الذنب بريد الحرمان”.
فلو نفسك في إجابة دعاءك، نظّف قلبك أولًا، ورجع الحقوق، وخلي نيتك لله وحده.
ثالثًا: استجابة مؤجلة… مش مرفوضة
قال النبي ﷺ:
"ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها" (رواه أحمد)
أحيانًا ربنا بيأجل الإجابة لحكمة، يمكن لأن الوقت مش مناسب، أو لأن الإجابة في شكل تاني.
اللي فاهم ربنا كويس، بيعرف إن كل تأخير فيه خير، حتى لو ما شافهوش دلوقتي.
فإياك تقول “دعوت وما استُجيب لي”، لأنك لو علمت الغيب لاخترت ما اختاره الله لك.
رابعًا: شرط اليقين في الدعاء
قال ﷺ:
"ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ" (رواه الترمذي)
اليقين هو المفتاح.
ما ينفعش تدعي وانت شاكك، أو بتجرب.
ادعي كأنك شايف الإجابة جاية، بس في طريقها ليك.
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:
"إني لا أحمل هم الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فإذا أُلهِمت الدعاء علمت أن الإجابة معه."
يعني لو ربنا ألهمك الدعاء، فده في حد ذاته علامة إن الباب مفتوح، والإجابة قريبة.
خامسًا: أوقات وأحوال تُستجاب فيها الدعوات
من رحمة ربنا إنه فتح لنا أبواب معينة لو دخلنا منها، الإجابة مضمونة بإذن الله:
في جوف الليل:
قال ﷺ: "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟"
بين الأذان والإقامة.
ساعة في يوم الجمعة.
حال السجود: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"
وقت الصيام، وخصوصًا قبل الإفطار.
فاختر وقتك بعناية، وخلّي دعاءك خاشع، بقلب حاضر.
سادسًا: كيف ندعو بطريقة صحيحة؟
الدعاء مش كلمات بس، الدعاء حالة.
ابدأ بحمد الله، ثم الصلاة على النبي ﷺ، وبعدها اطلب ما تشاء.
قال ﷺ: "إذا دعا أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصلِّ على النبي ﷺ، ثم ليدعُ بما شاء."
واحذر الدعاء على نفسك أو غيرك بالشر، وكن محددًا في طلبك.
واختم دايمًا بـ: “اللهم اختر لي ولا تخير علي”.
سابعًا: الدعاء وقت الفتن
في زمن الفتن اللي بنعيشه، القلوب محتاجة تربية جديدة على اللجوء إلى الله بدل الناس.
قال تعالى:
"أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ" (النمل: 62)
سيدنا يونس لما نادَى في بطن الحوت قال:
"لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ"
فقال النبي ﷺ:
"ما دعا بها مكروب إلا فرّج الله كربه"
يعني مهما كانت الأزمة، ما تغفلش عن الدعاء، لأن ربنا وحده القادر يبدّل الحال في لحظة.
ثامنًا: الدعاء والرضا بقضاء الله
من علامات الإيمان إنك تدعي وتسيب النتيجة على الله.
قال تعالى:
"وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (البقرة: 216)
ربنا ما بينساش عبده، لكن بيختار له الأنسب.
فكل مرة تدعي فيها، افتكر إن ربنا بيكتبلك خير، حتى لو شكله وجع.
خاتمة: لا تيأس من الدعاء
قال ابن القيم رحمه الله:
“الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه ويمنع نزوله.”
ادعي وانت موقن إن ربنا قريب، واسجد بدمعة، وقل:
“يا رب، ما ليش غيرك.”
وساعتها هتحس إن كل دعوة خرجت من قلبك وصلت قبل ما توصل لسانك.
فلو اتأخرت الإجابة، ما تزعلش…
يمكن ربنا بيجهزلك أعظم مما طلبت. 🌿